طلبان قلت الثَّانِيَة فِي معنى الأولى بِاعْتِبَار اشتراكهما فِي عدم ملزومية الطّلب الأول للطلب الثَّانِي كَمَا هُوَ الْخصم فَتَأمل (وَكَذَا الضِّدّ المفوت) أَي مثل ترك الْفِعْل للضد المفوت للْفِعْل مَطْلُوب بِطَلَب آخر لخطور تَركه عَادَة وَطلب تَركه بِفعل الْمَأْمُور بِهِ (فَالْأَوْجه أَن الْأَمر بالشَّيْء مُسْتَلْزم النَّهْي عَن تَركه غير مَقْصُود) استلزاما بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَإِن اللَّازِم (بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ) هُوَ أَن يكون تصور الْمَلْزُوم وَاللَّازِم مَعًا كَافِيا فِيهِ للجزم باللزوم، بِخِلَاف اللَّازِم بِالْمَعْنَى الْأَخَص، فَإِن الْعلم بالملزوم هُنَاكَ يسْتَلْزم الْعلم باللازم (وَكَذَا) الْأَمر بالشَّيْء نهي (عَن الضِّدّ المفوت لخطوره كَذَلِك) أَي إِذا لوحظ معنى الْأَمر بالشَّيْء ولوحظ معنى النَّهْي عَن ضِدّه المفوت لَهُ حكم الْعقل باللزوم بَينهمَا (فَإِنَّمَا التعذيب بِهِ) أَي بالضد المفوت (لتفويته) أَي تَفْوِيت الْمَأْمُور بِهِ، لَا من حَيْثُ ترك الِامْتِثَال لحكم آخر غير الْمَأْمُور بِهِ (فَأَما ضد) أَي خطور ضد (بِخُصُوصِهِ) إِذا كَانَ للْمَأْمُور بِهِ أضداد (فَلَيْسَ لَازِما عَادَة) لِلْأَمْرِ بالشَّيْء (للْقطع بِعَدَمِ خطور الْأكل من تصور الصَّلَاة) عِنْد الْأَمر بهَا (فِي الْعَادة). قَالَ (القَاضِي: لَو لم يكن) الْأَمر بالشَّيْء (إِيَّاه) أَي نهيا عَن ضِدّه (فضده أَو مثله أَو خِلَافه) أَي لَكَانَ إِمَّا مثله أَو ضِدّه أَو خِلَافه، وَاللَّازِم بأقسامه بَاطِل كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، أما الْمُلَازمَة فَلِأَن كل متغايرين إِمَّا أَن يتساويا فِي صِفَات النَّفس أَو لَا، وَالْمعْنَى بِصِفَات النَّفس: مَا لَا يحْتَاج الْوَصْف بِهِ إِلَى تعقل أَمر زَائِد كالإنسانية للْإنْسَان، والحقيقة، والوجود، والشبيه لَهُ، بِخِلَاف الْحَدث والتحيز، فَإِن تَسَاويا فمثلان: كسوادين أَو بياضين، وَإِلَّا فإمَّا أَن يتنافيا بأنفسهما أَي يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي مَحل وَاحِد بِالنّظرِ إِلَى ذاتهما أَولا، فَإِن تنافيا بأنفسهما: كالسواد وَالْبَيَاض فضدان، وَإِلَّا فخلافان: كالسواد والحلاوة انْتهى، وَأما بطلَان اللَّازِم فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (والأولان) أَي كَونهمَا ضدين، وكونهما مثلين (باطلان) أَي منفيان (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَكُونَا كَذَلِك بِأَن يَكُونَا ضدين أَو مثلين (امْتنع اجْتِمَاعهمَا) لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الضدين والمثلين (واجتماع الْأَمر بالشَّيْء مَعَ النَّهْي عَن ضِدّه لَا يقبل التشكيك) أَي لَا شكّ فِيهِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ كَمَا فِي تحرّك، وَلَا تسكن (وَكَذَا الثَّالِث) أَي كَونهمَا خلافين بَاطِل أَيْضا (وَإِلَّا) بِأَن يَكُونَا خلافين (جَازَ كل) أَي اجْتِمَاع كل من الْأَمر بالشَّيْء وَالنَّهْي عَن ضِدّه (مَعَ ضد الآخر كالحلاوة وَالْبَيَاض) إِذْ يجوز أَن تَجْتَمِع الْحَلَاوَة مَعَ ضد الْبيَاض وَهُوَ السوَاد وَبِالْعَكْسِ (فيجتمع الْأَمر بالشَّيْء مَعَ ضد النَّهْي عَن ضِدّه وَهُوَ) أَي ضد النَّهْي عَن ضِدّه (الْأَمر بضده وَهُوَ) أَي الْأَمر بالشَّيْء مَعَ الْأَمر بضد ذَلِك الشَّيْء (تَكْلِيف بالمحال لِأَنَّهُ) أَي الْأَمر بالشَّيْء حِينَئِذٍ (طلبه) أَي طلب ذَلِك الشَّيْء (فِي وَقت طلب فِيهِ عَدمه) أَي عدم ذَلِك الشَّيْء فقد طلب مِنْهُ الْجمع بَين الضدين