تيسير التحرير (صفحة 364)

لَا التّرْك) ثمَّ قَالُوا (وَلَيْسَ النزاع فِي لَفْظهمَا) أَي الْأَمر وَالنَّهْي بِأَن يُقَال: لفظ النَّهْي أَمر، وَبِالْعَكْسِ للْقطع بِأَن الْأَمر مَوْضُوع لصيغة افْعَل وَنَحْوه، وَالنَّهْي للا تفعل وَنَحْوه (وَلَا المفهومين) وَلَيْسَ النزاع فِي أَن مَفْهُوم أَحدهمَا، وَهُوَ الصِّيغَة الْمَخْصُوصَة لَيْسَ مَفْهُوم الآخر، وَهُوَ الصِّيغَة الْأُخْرَى (للتغاير) بَين المفهومين (بل) النزاع (فِي أَن طلب الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْأَمر عين طلب ترك ضِدّه الَّذِي هُوَ النَّهْي، وَقَول فَخر الْإِسْلَام وَمن مَعَه) وَالْأَمر بالشَّيْء يقتضى كَرَاهَة ضِدّه إِلَى آخِره كَمَا مر آنِفا (لَا يسْتَلْزم) كَون المُرَاد بِالْأَمر أوالنهي (اللَّفْظِيّ) حَتَّى يلْزم أَن تكون صِيغَة الْأَمر صِيغَة الْمنْهِي عَنهُ وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ صِيغَة الْأَمر مستلزما للكراهة مَعَ قطع النّظر عَن مُلَاحظَة الضَّرُورَة كَانَت الْكَرَاهَة مدلولا التزاميا بِصِيغَة (بل هُوَ) أَي أحد قوليه وَمن مَعَه (كالتضمن فِي قَول القَاضِي آخرا) فِي أَن مآلهما وَاحِد: وَهُوَ أَنه يسْتَلْزم الْأَمر بالشَّيْء النَّهْي عَن ضِدّه ضَرُورَة، وَكَذَلِكَ النَّهْي عَن الشَّيْء يسْتَلْزم كَون ضد ذَلِك الشَّيْء مَأْمُورا بِهِ ضَرُورَة وَلذَا اقتصروا على كَونه سنة مُؤَكدَة: إِذْ لَا ضَرُورَة فِي إِثْبَات الْوُجُوب لَهُ، لِأَن حرمته تَسْتَلْزِم تَركه، وَتَركه لَا يسْتَلْزم فعل ضِدّه الوجودي لجَوَاز أَن لَا يفعل شَيْئا من الضدين، لكنه علم من عَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يعْمل بضد مَا نهى عَنهُ أَلْبَتَّة فَيكون سنة مُؤَكدَة (وَمرَاده) أَي فَخر الْإِسْلَام من الْأَمر الَّذِي يقتضى كَرَاهَة الضِّدّ (غير أَمر الْفَوْر لتنصيصه) أَي فَخر الْإِسْلَام (على تَحْرِيم الضِّدّ المفوت) إِذا كَانَ الْأَمر للْوُجُوب حَيْثُ قَالَ: التَّحْرِيم إِذا لم يكن مَقْصُودا بِالْأَمر لم يعْتَبر إِلَّا من حَيْثُ يفوت الْأَمر، فَإِن لم يفوتهُ كَانَ مَكْرُوها: كالأمر بِالْقيامِ لَيْسَ بنهي عَن الْقعُود قصدا، حَتَّى لَو قعد ثمَّ قَامَ لم تفْسد صلَاته بِنَفس الْقعُود وَلكنه يكره انْتهى، وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَة تَفْصِيل، وَجه التَّعْلِيل أَن الِاشْتِغَال بالضد فِي الْأَمر الفوري مفوت لَهُ، فضد كل أَمر فوري حرَام لَا مَكْرُوه (وعَلى هَذَا) الَّذِي تحرر مُرَاد فَخر الْإِسْلَام (يَنْبَغِي تَقْيِيد الضِّدّ) فِيمَا إِذا قيل الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه (بالمفوت، ثمَّ إِطْلَاق الْأَمر عَن كَونه) أَي الْأَمر (فوريا) فَيُقَال: الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه المفوت لَهُ، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده المفوت عَدمه لَهُ، وَلذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة: أَن الضدان فَوت الْمَقْصُود بِالْأَمر يحرم، وَإِن فَوت عَدمه الْمَقْصُود بِالنَّهْي يجب، وَإِن لم يفوت فِي الْأَمر يَقْتَضِي الْكَرَاهَة، وَفِي النَّهْي كَونه سنة مُؤَكدَة (وَفَائِدَة الْخلاف) فِي كَون الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضِدّه (اسْتِحْقَاق الْعقَاب بترك الْمَأْمُور بِهِ فَقَط) إِذا قيل بِأَنَّهُ لَيْسَ بنهي عَن ضِدّه (أَو بِهِ) أَي بترك الْمَأْمُور بِهِ (وبفعل الضِّدّ حَيْثُ عصى أمرا ونهيا) إِذا قيل بِأَنَّهُ نهي عَن ضِدّه، وعَلى هَذَا الْقيَاس فِي جَانب النَّهْي (للنافين) كَون الْأَمر نهيا عَن ضِدّه وَبِالْعَكْسِ (لَو كَانَا) أَي النَّهْي عَن الضِّدّ وَالْأَمر بالضد (إيَّاهُمَا) أَي عين الْأَمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015