تيسير التحرير (صفحة 346)

وَعَامة الْمُتَأَخِّرين من الْحَنَفِيَّة (لَو كَانَ) الْأَمر للْإِبَاحَة بعد الْحَظْر (امْتنع التَّصْرِيح بِالْوُجُوب) بعد الْحَظْر، وَلَا يمْتَنع إِذْ لَا يلْزم من إِيجَاب الشَّيْء بعد التَّحْرِيم محَال، وَوجه الضعْف أَنا مَا ادعينا الْمُنَافَاة بَين الْإِيجَاب اللَّاحِق وَالتَّحْرِيم السَّابِق، بل الاستقراء دَعَانَا إِلَى ذَلِك (وَلَا مخلص) من كَونه للْإِبَاحَة (إِلَّا بِمَنْع صِحَة الاستقراء إِن تمّ) منع صِحَّته: وَهُوَ مَحل نظر (وَمَا قيل أَمر الْحَائِض وَالنُّفَسَاء) بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم بعد تحريمهما عَلَيْهِمَا فِي الْحيض وَالنّفاس (بِخِلَافِهِ) أَي يُفِيد الْوُجُوب بعد الْحَظْر لَا الْإِبَاحَة (غلط لِأَنَّهُ) أَي أَمرهمَا بهما (مُطلق) عَن التَّرْتِيب على سبق الْحَظْر (وَالْكَلَام) المنازع فِيهِ من أَن الْأَمر بعد الْحَظْر للْإِبَاحَة: إِنَّمَا هُوَ (فِي) الْأَمر (الْمُتَّصِل بِالنَّهْي إِخْبَارًا) كَمَا روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قد كنت نَهَيْتُكُمْ) عَن زِيَارَة الْقُبُور فقد أذن لمُحَمد فِي زِيَارَة قبر أمه فزوروها فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ حسن صَحِيح (و) فِي الْأَمر (الْمُعَلق بِزَوَال سَببه) أَي سَبَب الْحَظْر نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِذا حللتم فاصطادوا}، فالصيد كَانَ حَلَالا على الْإِطْلَاق ثمَّ حرم بِسَبَب الْإِحْرَام، ثمَّ علق الْحل بِالْإِذْنِ فِيهِ بِالْحلِّ المستلزم زَوَال السَّبَب الْمَذْكُور (وَيدْفَع) هَذَا التغليط (بوروده) أَي الْأَمر للحائض فِي الصَّلَاة (كَذَلِك) أَي مُعَلّقا بِسَبَب زَوَال الْحَظْر (فَفِي الحَدِيث) الْمُتَّفق عَلَيْهِ (فَإِذا أَدْبَرت عَنْك الْحَيْضَة فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي) إِلَّا أَن الْحَيْضَة لم تذكر بهَا صَرِيحًا بعد أَدْبَرت اكْتِفَاء بضميرها الْمُسْتَتر فِيهِ لتقدم ذكرهَا فِي قَوْله: فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعى الصَّلَاة، وَهَذَا الْمِقْدَار كَاف فِي دفع التغليط، لِأَن المغلط غلط بِاعْتِبَار أَمرهمَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم جَمِيعًا (وَالْحق أَن الاستقراء دلّ على أَنه) أَي الْأَمر (بعد الْحَظْر لما اعْترض) أَي طَرَأَ الْحَظْر (عَلَيْهِ، فَإِن) اعْترض (على الْإِبَاحَة) بِأَن كَانَ ذَلِك الْمَحْظُور مُبَاحا، قبل الْحَظْر ثمَّ اتَّصل بِهِ الْأَمر (كاصطادوا) فَإِن الصَّيْد كَانَ مُبَاحا قبل الْإِحْرَام فَصَارَ مَحْظُورًا بِهِ، فَأمر بِهِ بعد التَّحَلُّل (فلهَا) جَوَاب أَن: أَي فَالْأَمْر حِينَئِذٍ للْإِبَاحَة (أَو) اعْترض (على الْوُجُوب: كاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي فَلهُ) أَي فَالْأَمْر للْوُجُوب، لِأَن الصَّلَاة كَانَت وَاجِبَة ثمَّ حرمت بِالْحيضِ (فلنختر ذَلِك) أَي التَّفْصِيل الْمَذْكُور، وَفِي الشَّرْح العضدي وَهُوَ غير بعيد، وَمَا اخْتَارَهُ المُصَنّف أقرب إِلَى التَّحْقِيق (وَقَوْلهمْ) أَي الْقَائِلين بِأَنَّهُ للْوُجُوب بعد الْحَظْر (الْإِبَاحَة فِيهَا) أَي فِي هَذِه الْأَشْيَاء من الِاصْطِيَاد وَنَحْوه (ل) دَلِيل وَهُوَ (أَن الْعلم بِأَنَّهَا) أَي الْمَذْكُورَات (شرعت لنا) أَي لمصْلحَة انتفاعنا بهَا (فَلَا تصير) وَاجِبَة (علينا) بِالْأَمر فَإِنَّهُ يَنْقَلِب علينا حِينَئِذٍ لنقل الْوَاجِب وَاحْتِمَال الْفَوات الْمُوجب للعقوبة، وَهَذَا لَا يَلِيق بشأن مَا شرع للِانْتِفَاع بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الْأمة (لَا يدْفع استقراء أَنَّهَا) أَي صِيغَة الْأَمر (لَهَا) أَي للْإِبَاحَة (فَإِنَّهُ) أَي هَذَا الاستقراء (مُوجب للْحَمْل على الْإِبَاحَة فِيمَا لَا قرينَة مَعَه) تدل على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015