فَكيف يكون المأخوذان مِنْهُمَا المحمولان عَلَيْهِمَا جِنْسا وفصلا مَعَ أَن الْجِنْس مَحْمُول على الْفَصْل، وَيُمكن أَن يكون المُرَاد أَخذ كل وَاحِد من الْجِنْس والفصل من مَجْمُوع الْمَادَّة وَالصُّورَة، وَلَا يخفى مَا فِيهِ (من غير حَاجَة) للحاد (إِلَى سرد الْكل) كَمَا زعم النَّافِي، ثمَّ لما ذكر الْخلاف أَرَادَ بَيَان مَا عِنْده من تَحْقِيق الْمقَام، فَقَالَ (وَإِذا كَانَ الْعلم مُطلقًا) أَي مَفْهُوم الْعلم الَّذِي يصدق على كل وَاحِد من الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة من غير تَقْيِيد (ذاتيا لما) ينْدَرج (تَحْتَهُ) كالفقه وَالْأُصُول وَالْكَلَام وَغَيرهَا دَاخِلا فِي حَقِيقَتهَا (وَالْعلم الْمَحْدُود) كالأصول (لَيْسَ إِلَّا صنفا) مِنْهُ، وَلَعَلَّه قَالَ صنفا، وَلم يقل نوعا لكَون الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة كلهَا مندرجة تَحت نوع من أَنْوَاع الْعلم الْمُطلق، وَهُوَ الْعلم الْمُتَعَلّق بالمسائل المتحدة بِاعْتِبَار الْمَوْضُوع والغاية، والصنف كلي مندرج تَحت النَّوْع حَقِيقَته النَّوْع الْمُقَيد بِعَارِض غير شخص (لم يبعد) جَوَاب إِذا (كَونه) أَي الْخلاف (لفظيا) أَي فِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى، لعدم وُرُود النَّفْي وَالْإِثْبَات على مَحل وَاحِد (مَبْنِيا على) اخْتِلَاف (الِاصْطِلَاح فِي مُسَمّى) الْحَد (الْحَقِيقِيّ أهوَ) اصْطِلَاحا (ذاتيات) الْمَاهِيّة (الْحَقِيقِيَّة) أَي الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج الثَّابِتَة فِي نفس الْأَمر مَعَ قطع النّظر عَن اعْتِبَار الْعقل كَمَا هُوَ اصْطِلَاح المنطقيين (أَو) هُوَ ذاتيات الْمَاهِيّة (مُطلقًا) حَقِيقِيَّة كَانَت أَو اعتبارية، فَمن ذهب إِلَى الأول نفي، وَمن ذهب إِلَى الثَّانِي أثبت، فمورد النَّفْي الْحَد بِالْمَعْنَى الأول، وَالْإِثْبَات بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَلَا مُنَافَاة بَين نفي الْأَخَص وَإِثْبَات الْأَعَمّ.
(الثَّانِي) من الْأُمُور الَّتِي هِيَ مُقَدّمَة الْكتاب مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف: أَي فِي بَيَان مَوْضُوعه أَو قَوْله (مَوْضُوعه الدَّلِيل السمعي الْكُلِّي) إِلَى آخر المبحث: مَوْضُوع الْعلم مَا يبْحَث فِيهِ عَن عوارضه الذاتية، والعارض الْخَارِج الْمَحْمُول والذاتي الَّذِي منشأ عروضه الذَّات كالمدرك للْإنْسَان، أَو مَا هُوَ مسَاوٍ للذات كالضاحك الْعَارِض لَهُ بِوَاسِطَة التَّعَجُّب، أَو جزئها الْأَعَمّ كالمتحرك بِوَاسِطَة الْحَيَوَان، والبحث عَنْهَا حملهَا على نفس الْمَوْضُوع بِدَلِيل، نَحْو الدَّلِيل السمعي يُفِيد الحكم قطعا أَو ظنا، أَو على نوع مِنْهُ نَحْو الْأَمر يُفِيد الْوُجُوب، أَو على عرضه الذاتي نَحْو الْعلم يُفِيد الْقطع، أَو على نَوعه نَحْو الْعَام الَّذِي يخص مِنْهُ الْبَعْض يُفِيد الظَّن، قيد بالكلى لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد مَا صدقاته، وَقيل مَوْضُوعه الْأَدِلَّة الْأَرْبَعَة وَالْأَحْكَام لِأَن الْأَحْوَال بَعْضهَا رَاجع إِلَى الْأَدِلَّة، وَبَعضهَا إِلَى الْأَحْكَام، وَقيل هُوَ الْأَدِلَّة وَمَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ من حَيْثُ الثُّبُوت رَاجع إِلَى الْأَدِلَّة من حَيْثُ الْإِثْبَات، وَقيل هُوَ الْأَحْكَام من حَيْثُ ثُبُوتهَا بالأدلة. وَاخْتَارَ المُصَنّف رَحمَه الله مفهوما وَاحِدًا، أَفْرَاده الْأَدِلَّة نظرا إِلَى كَونه أقرب إِلَى الضَّبْط (من حَيْثُ يُوصل الْعلم بأحواله إِلَى قدرَة إِثْبَات الْأَحْكَام لأفعال الْمُكَلّفين) الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة