من أمثلة النسخ في السنة: المثال الأول: المتعة، وفيه خلاف فقهي عريض، والصحيح الراجح عند المحققين أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها أولاً؛ لأن العرب كانوا لا يستطيعون البعد عن النساء، فكانوا إذا ذهبوا يقاتلون ليس معهم النساء، فأباح لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجوا، كما قال أبي وغيره: (كان الواحد منا ينكح المرأة على ثوبه أو على دينار أو على درهم) فينكحها ويتمتع بها ثلاثة أيام بالشرط، وينفسخ العقد، فأحلها ثم حرمها يوم خيبر، ثم في سبايا أوطاس حرمها تحريماً نهائياً، فهي أحلت، ثم حرمت، ثم أحلت، ثم حرمت تحريماً نهائياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم المتعة إلى يوم القيامة) فكان هذا تحريماً نهائياً من السنة.
كذلك: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها)، فهذا مثال النسخ من السنة.
وقد قلنا: إن الناسخ الذي ينسخ الكتاب: إما دليل من الكتاب أو من السنة أو الإجماع، فلا ينسخ القياس ولا المصالح المرسلة ولا قول الصحابي، وأما الإجماع فلا ينسخ الإجماع؛ لأنه ليس بناسخ، ولكنه دليل على النسخ كما دل عليه المحققون من أهل الأصول، أي: لو جاء في مسألة يقول لك: الذهب المحلق ليس بحرام؛ لأن الإجماع قام على جوازه، بمعنى أن الشيخ الألباني يقول: إن الذهب المحلق كالسلسلة أو الخلخال وأي شيء له طوق فهو حرام على النساء، وله أدلة قوية، كحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أراد أن يطوق حبيبه بطوق من نار فليطوقه بسوار)، وأيضاً قال لـ فاطمة: (أيعجبك أن يقول الناس: إن فاطمة بنت محمد سورت بسوار من نار)، فباعتها واشترت بها عبداً وأعتقته، فهو يقول: إن الذهب المحلق حرام، فمن رد من أهل العلم عليه في ذلك قال: هذا خلاف الإجماع، فقد دل الإجماع على جواز لبس الذهب المحلق، فإما أن نقول: هذا الحديث مؤول أو نقول بالنسخ، وأنا أميل إلى أنه مؤول كما سنبين، والغرض المقصود من هذا: أن الإجماع يدل على النسخ، ويوجد دليل آخر يبيح الذهب المحلق للنساء، لكن الإجماع نفسه ليس بناسخ.