ودلالات ذلك كثرة منها: اجتهاد سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه في قضائه في بني قريظة، فكان حكمه موافقاً لحكم الله عز وجل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (قضيت فيهم بحكم الله من فوق سبع سبع سماوات) فأقره على هذا الاجتهاد الصحيح.
أيضاً: اجتهاد عمرو بن العاص عندما صلى بالناس وهو جنب؛ خوفاً من الماء البارد، فتيمم مع وجود الماء، والله جل وعلا يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6]، ومع ذلك تيمم عملاً بقول الله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29]، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ومن الاجتهاد الذي أخطأ فيه بعض الصحابة فرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقره: حديث عمار، وهو حديث ضعيف، وعلى القول بصحته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قتلوه قتلهم الله، وذلك حين قالوا: ما نرى لك شيئاً، فاغتسل فمات، فقال: قتلوه قتلهم الله، أما كان لهم أن يسألوا إذا جهلوا، إنما شفاء العي السؤال) أي: شفاء الجاهل أن يسأل فيتعلم، فهذا حديث ضعيف، لكن نقول بصحته، وإذا قلنا بصحته فهذا دلالة على أنه أنكر عليهم الاجتهاد الخاطئ.
أيضاً: قصة عدي بن حاتم لما اعتقد أن قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة:187] معناه: أنه عمد إلى عقالين أبيض وأسود، ووضعه تحت الوسادة، ومكث يأكل ويشرب حتى يظهر له السواد من البياض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن وسادك لعريض)، وأولها بعضهم: أن هذا توبيخ وتقريع له، وهذا لا يصح ولا يخرج من النبي صلى الله عليه وسلم، لكن معنى الكلام: إن كانت الوسادة التي تنام عليها غطت الخيط الأبيض من الأسود الذي هو في السماء الذي يبين بياض الفجر من سواد النهار فهي وسادة عريضة، فكان هذا اجتهاداً منه رضي الله عنه، لكن لم يقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ومنهم من أصاب في بعض وأخطأ في بعض: كقوله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر لما فسر رؤية لرجل في وجوده صلى الله عليه وسلم: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً).
وأيضاً في مسألة: عمار: (لما تمرغ في التراب كما تفعل الدابة، فقال: إنما كان يكفيك)، فأقره على أصل التيمم، لكنه أنكر عليه الطريقة، وقال: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيدك هكذا) وعلمه التيمم الصحيح.