القسم الأول: علماء مجتهدون، وهؤلاء هم أفضل البشر على الإطلاق بعد منزلة الرسالة والنبوة والصديقية؛ لأن ورث النبي صلى الله عليه وسلم لا يأخذه إلا العالم المجتهد، أما الشهداء فالعلماء يتقدمون عليهم بظاهرتين أو مرتبتين، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)، فالوريث فرع عن الأصل، وفرع الأنبياء هم العلماء، فالعلماء هم أرقى الناس عند الله، ولذلك كان ابن عيينة يقول: أفضل الخلق على الإطلاق الواسطة بين الخالق وبين الخلق.
والعلماء المجتهدون ينقسمون إلى قسمين: مجتهد مطلق، ومجتهد مقيد.
فأما المجتهد المطلق: فهو الذي لا يتقيد بمذهب من المذاهب، وإنما رأس ماله الكتاب والسنة واللغة والنظر والاجتهاد، وقد عز في كثير من الأزمنة أن تجد مجتهداً مطلقاً، وإن كان يوجد كـ الشوكاني وشيخ الإسلام ابن تيمية والبخاري، مع أن الشافعية يقولون: إن البخاري شافعي، وكذلك الحنابلة يقولون: البخاري حنبلي، والصحيح: أن البخاري مجتهد مطلق، وأيضاً ابن جرير الطبري وإن نسبوه أيضاً إلى الشافعية فهو مجتهد مطلق، فالمجتهد المطلق: الذي لا يتقيد بمذهب.
وأما المجتهد المقيد فهو: المجتهد المقيد بمذهب معين، كـ النووي، فهو مجتهد مذهب، فيخرج على أصول شيخ مذهبه فروعاً ومسائل عدة، أي: لا يكون هذا قول الشافعي، لكن يخرج من قول الشافعي مسائل، بينما المجتهد المطلق ينظر في الأدلة، فيخرج ويستنبط المسائل، ولا يتقيد بمذهب معين.