متى يطرح مفهوم المخالفة عند الجمهور؟ ومتى لا يكون مفهوم المخالفة حجة شرعية؟
صلى الله عليه وسلم لا يكون حجة شرعية في ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: إذا كان القيد للغالب: نحو قول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء:23] يعني: أن الرجل إذا تزوج امرأة ولها بنت، فإن الغالب أنه سيربيها، وتكون في حجره.
فمنطوق الحكم: أنه لا يجوز له أن يتزوجها.
فإن كانت هذه البنت الربيبة بعيدة عن الأم، وهو تزوج أمها، ثم طلق أمها، فرأى ابنتها فأعجبته، فهي الآن ليست بربيبة، وليست في حجره، فهل له أن يتزوجها؟ مفهوم المخالفة: له أن يتزوجها، لكن نقول: إن المفهوم هنا مطروح لا يعمل به؛ لأنه قيد أغلبي، لأنه في الغالب أن زوج الأم يربي البنت، لأن الكثير يتزوجون النساء اللاتي عندهن أولاد ويكفلون أولادهن، وخاصة إذا كانوا أيتاماً.
الحالة الثانية: إذا كان القيد بياناً للواقع، بمعنى: أن المفهوم ليس مراداً، وإنما هو يبين الواقع، كقول الله تعالى عن ربا الجاهلية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130].
فهنا مفهوم المخالفة لو عملنا به لكان المعنى: كلوا ضعفاً واحداً وليس أضعافاً مضاعفة، وهذا المفهوم مطروح؛ لأن الله يبين هنا حال أهل الجاهلية أنهم كانوا يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة.
فقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130] هذا بيان للواقع فلا مفهوم له.
وأيضاً ممكن أن يقال ذلك في الخبر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لتمرن الظعينة من حضرموت إلى صنعاء لا تخاف إلا الله، والذئب على الغنم).
فهذا أيضاً ليس له مفهوم؛ لأن الذي يحتج به يحتج بالمفهوم، ونحن نقول: مفهومه مطروح؛ لأنه بيان للواقع.
الحالة الثالثة: إذا خرج القيد مخرج الامتنان، يعني: أن الله يمن به على عباده، نحو قوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل:14] فلو أخرجت اللحم الطري من البحر لك أن تأكله.
ومفهوم المخالفة هنا: إن كان اللحم غير طري فليس لك أكله، وهذا ليس صحيحاً؛ فإن ميتة البحر كلها حل سواء كانت طرية أو غير طرية.