النوع الأول: مفهوم الوصف، أو مفهوم الصفة، كأن تقول: (أكرم العالم الصادق) فتقييد العالم بالصادق يعني: أن مفهوم المخالفة: إذا جاءك العالم الفاجر فلا تكرمه.
ومثله قول الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] منطوق الآية: أنك لا تقبل خبر الفاسق إلا بعد التبين من صحة الخبر.
وأما مفهوم المخالفة: إن جاء غير الفاسق بخبر، يجب قبول خبره دون تبيان، لو جاءك أخ كريم تقي نقي ورع فقال: الأمر جلل! امرأتك رأيتها تخرج بغير النقاب، أو رأيت امرأتك والنقاب واسع على وجهها، أو إلى فمها أو إلى أنفها؛ فإن جاءك الثقة وقال لك ذلك، هل ترد عليه وتقول: اذهب أيها الشيطان! لابد أن أتبين وتقرأ عليه قول الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]؟
صلى الله عليه وسلم لا؛ بل صدقة ثم اذهب وانه امرأتك عن ذلك؛ لأنه عدل.
والدلالة أيضاً على هذا من الشرع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل شهادة العدل الواحد، وابن عمر بين أن أعرابياً شهد عند الرسول صلى الله عليه وسلم برؤية هلال رمضان، فصام وأمر الناس بالصيام.
ومثاله أيضاً: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء:25]-يعني: غناً- {أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء:25].
فهنا أيضاً تقييد بالوصف، يعني: أن للعبد أن يتزوج الأمة بشرط أن تكون مؤمنة.
وأما مفهوم المخالفة: إن كانت الأمة من أهل الكتاب فلا يحل الزواج بها.
ومثل ذلك أيضاً: قوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] فابن الابن الذي ليس من الصلب حليلته لا تحل للجد، لأن هذا الابن يأخذ حكم الابن الصلبي، فلا يجوز للجد أن يتزوج حليلته.
مثال آخر: حديث جابر في الصحيح أنه قال: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم) فرجل له شركة في شقة، وهذه الشقة لم تقسم فما حكمها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الجار أولى بالشفعة).
يعني: لو أراد الذي يمتلك حجرة من الشقة أنه يبيعها فأولى الناس بها هو جاره.
فالجار أولى بها حتى لو أجبره على ذلك، بل حتى لو باع بيعاً لغيره فإن له أن يفسخ البيع، ويعطيه سعر المثل، ويأخذ هذه الغرفة له.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم قيدها فقال: (ما لم تقسم).
فمفهوم المخالفة: أنها إذا قسمت -يعني: أخذ كل واحد منهم نصيبه- فليس له الشفعة.