لو احتج علي أحد بشرع من قبلنا فرددت عليه بسنة فإن السنة أقوى، ويليها قول الصحابي, وهذا أيضاً من الأدلة المختلف فيها.
والصحابي هو: كل من لقي الرسول عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ومات على ذلك؛ ليدخل بذلك الأعمى.
ورؤية النبي عليه الصلاة والسلام لا يدانيها شيء؛ لذلك قال العلماء: أنتم تتغنون بـ عمر بن عبد العزيز وتفضلونه على معاوية , ورؤية واحدة رأى فيها معاوية النبي عليه الصلاة والسلام خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته أجمعين.
فإن كان راءه فهو صحابي؛ فإن لم يره فهو معاصره.
قول الصحابي في مسألةٍ لم يأت بها الكتاب ولا السنة، لكن وجدنا كلاماً لـ ابن عمر أو لـ ابن مسعود أو لـ ابن عمرو بن العاص أو لـ معاوية، فهل هو حجة يلزمنا العمل به أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه حجة مطلقاً, وهو قول بعض الشافعية ورجحه ابن القيم.
القول الثاني: ليس بحجة مطلقاً, وهو قول الجمهور.
القول الثالث: التفصيل.
واستدل أصحاب القول الأول بأدلة منها: أن الله تعالى قد عدل الصحابة فقال: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:26] , فجاءت عدالتهم من السماء, والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (النجوم أمنة للسماء أن تزول، وأنا أمنة لأصحابي؛ فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي؛ فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد) , وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: (لا تسبوا أصحابي, لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً لم يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه) , فهذا يدل على أنهم أعلم الناس بنصوص الكتاب والسنة، وبما تدل عليه الشريعة ومقاصدها, وهم أفصح العرب وأعلمهم بشريعة الله تعالى.
وأما أصحاب القول الثاني فلهم أدلة من النظر: قالوا: إنما الحجة في كتاب الله وسنة نبيه, والله قال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] , وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} [الأحزاب:36] , وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]؛ فكانت الحجة في كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام, ولا حجة على كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
قالوا: ولو قلتم بحجية قول الصحابي فأنتم تأخذون بقول غير معصوم, ونحن لا نلتزم بقول غير قول المعصوم عليه الصلاة والسلام, ولو أنه اجتهد فأخطأ فإن الله تعالى ينبهه على الخطأ، وهذا على عكس من الصحابي؛ لذا كان قوله ليس بحجة مطلقاً.
وأما أصحاب القول الثالث القائلين بالتفصيل، فهو القول الراجح والصحيح, وهو: أن أقوال الصحابة تنقسم إلى أقسام: الأول: إخبار وقول الصحابي بأمور غيبية، مثل: (ما بين السماء الأولى والثانية خمسمائة عام- إلى أن قال- والله فوق العرش عالم ما أنتم عليه).
وقد اختلف العلماء في مثل ذلك, والقول الصحيح الراجح: أنه مرفوع بضوابط أو بقيود أو بشهود: ألا يكون هذا الصحابي يأخذ من أهل الكتاب، مثل: عبد الله بن عمرو بن العاص , وذلك للصحيفة التي وجدها عن أهل الكتاب، فلا نأخذ منه ولا نقول هذا مرفوع؛ لأنه من المحتمل أن يكون أخذه من أهل الكتاب، وقد كان يأخذ عن بني إسرائيل.
إذاً: القول الأول: إن كان قول الصحابي من الغيبيات, وكان لا يأخذ من بني إسرائيل فهو حجة، وله حكم المرفوع.
القول الثاني: أن يكون جميع الصحابة قد اختلفوا على قول الصحابي, مثل: عمر بن الخطاب لما أمضى طلاق الثلاث ثلاثاً, فقد اختلف الصحابة في هذا؛ فيكون ليس بحجة ملزمة, ولا حجة لواحد على الآخر.
القول الثالث: أن تجتمع كلمة الصحابة على شيء من فعل الخلفاء الراشدين، فهو حجة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي, عضوا عليها بالنواجذ).