أما الضروري الديني فمثل: حفظ الدين، وهذه مصلحة كبرى، فالشرع أمر بقتال الكفار لحفظ الدين، {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [النساء:91]، وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال:39] فهذا مصلحة معتبرة وهو حفظ الدين.
أيضاً: المرتد إن لم يتب يقتل -على خلاف فقهي مشهور- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (من بدل دينه فاقتلوه)، فهذا كله لحفظ الدين، فلذلك نرى أن بعض الناس الذي يسب الدين ويتجرأ على دين الله عندما ينصح تجد آخر -كأنه لم يشتم رائحة علم- يقول لك: مصلحة الدعوة تقتضي أن تتركه، حتى لا تنفر الناس منك، ولماذا تنكر عليه سب الدين؟ فنقول: إن المصلحة أكبر من ذلك، فالمصلحة الأكبر هي حفظ الدين، والرجل قد ضيع دينه، ولو مات وهو يسب الدين لمات كافراً، فأنت يجب عليك أمران تجاه هذا الرجل: الأول: أن ترده لدينه؛ لأنك لو تركته يسب الدين وسكت عنه، ثم مات كافراً، فإنه يخلد في نار جهنم، فأنت رفقاً به رده إلى دينه.
الثاني: حتى لا تجرأ أحداً غيره على دين الله جل وعلا، فلا بد أن تذهب فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالتواضع، فتقول له: اتق الله لا تسب الدين، قل: لا إله إلا الله، وهو يستمع لك، لكن أن تسمع سب الدين وتسكت، ولا يحترق قلبك مما تسمع، ولا تتحرك لتنهى عن هذا المنكر بدعوى أن هذه من أجل الدعوة فهذا خطأ، فحفظ الدين من المصالح الكبرى.
أيضاً: حفظ النفس، ولذلك شرع الله القصاص، قال الله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:179] وهذه من أكبر المصالح، فالله جل وعلا حرم قتل النفس إلا في حالة واحدة وهي: قتل الوالد لولده، لكن من الذي يقتل؟ النفس بالنفس، فالله جل وعلا ما أباح دم المسلم إلا في قتل النفس بالنفس.
أيضاً: حفظ العقل، ولذلك حرم الله الخمر، والنبي صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر، فقال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام).
فحرم كل المسكرات حفاظاً على العقل.
ومن المصالح الكبرى أيضاً: حفظ العرض والنسب، لذا حرم الشرع الزنا، ولذلك كان من المصالح سد الذرائع التي سدها عمر بن الخطاب مع نصر بن حجاج، فقد كان يسير ليلاً، فسمع نساء المدينة يقلن: من أصبح أهل المدينة؟ أي: من أوسم وأجمل شكلاً ومنظراً؟ فقلن: نصر بن حجاج، فذهب إليه فرآه وقد وهبه الله جمالاً عالياً، فقال: أنت مصبحهم، تعال ثم أمر بالحلاق فقال: احلق له شعره، فحلق شعره عن بكرة أبيه، فازداد الرجل جمالاً، ثم نظر إليه عمر وقال: ما ازدت إلا جمالاً، تعمم يعني: البس العمامة، فلما تعمم ازداد الرجل جمالاً، فقال: لا تمكث في هذه البلدة، ونفاه، ثم قال شعراً يذكر فيه أنه ما ذنبي أني خلقني الله بهذه الصورة، لم تنفيني عن بلدي وتغربني عن أهلي ومالي؟ فغربه سيدنا عمر بن الخطاب للمصلحة الكبرى: حفظاً على الأنساب، لاحتمال أن امرأة تشتهيه فتراوده عن نفسه فيقع عليها، وهذا حفظاً للأعراض، لذلك شرع الشارع جلد القاذف وجلد الزاني حفظاً للأنساب وحفظاً للأعراض.
أيضاً: حفظ الأموال من المصالح الكبرى، لذا شرع الشارع قطع يد السارق إذا بلغ النصاب وهو ربع دينار.