رأى هؤلاء المشركون من الجنّ والإِنس ما يوعدون يوم القيامة، فسيعلمون يومئذٍ من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا، هم أم المؤمنون الموحّدون لله تعالى، أي: بل المشركون لا ناصر لهم بالكلية وهم أقلّ عددًا من جنود الله عز وجل.
قوله عز وجل: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) } .
قال ابن كثير: يقول تعالى آمرًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول للناس أنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً} ، أي: مدّة طويلة، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} ، قال ابن عباس: فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب: الوحي، أظهرهم عليه بما أوحى إليهم من غيبه، وما يحكم الله فإنه لا يعلم ذلك غيره. وقال ابن زيد: ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء، أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغيب: القرآن؛ قال: وحدّثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة.
وعن الضحاك: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} ، قال: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث إليه الملك بعث ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه، أن يتشبّه الشيطان على صورة الملك. وعن إبراهيم: {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} ، قال: ملائكة يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم. وقال ابن عباس: هي معقّبات من الملائكة يحفظون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان، حتى يتبيّن الذي أرسل به إليهم وذلك حين يقول: {لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ
رَبِّهِمْ} . وعن قتادة: {لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} ، ليعلم نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - أن الرسل قد أبلغت عن الله، وأن الله حفظها ودفع عنها. وقال