قال ابن كثير: وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ} أي: ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} أي: العقول والإِدراك {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أي: قلّما
تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره، {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} ، أي: بثّكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم، وحلاكم وأشكالكم وصوركم، {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ، أي: تجمعون بعد هذا التفرّق والشتات، يجمعكم كما فرّقكم ويعيدكم كما بدأكم.
ثم قال تعالى مخبرًا عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، أي: متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق؟ {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} أي: لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا الله عز وجل، لكنه أمرني أن أخبركم أنّ هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} ، أي: وإنما عليّ البلاغ، وقد أدّيته إليكم. قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، أي: لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ورأوا أن الأمر كان قريبًا، لأن كل ما هو آتٍ آتٍ وإن طال زمنه فلما وقع ما كذّبوا به ساءهم ذلك لما يعلمون ما لهم هناك من الشر، أي: فأحاط بهم ذلك وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وبدا لهم سيّئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون، ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ: {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} أي: تستعجلون.
{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الجاحدين لنعمه {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ؟ أي: خلّصوا أنفسكم فإنه لا منقذ لكم من الله إلا بالتوبة والإِنابة والرجوع إلى دينه، ولا ينفعكم