السفن جُعلت لهم من بعد سفينة نوح على مثلها. وقال السدي: ألا ترى أنه قال: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ} ؟ قال قتادة: أي: لا مغيث لهم، {إِلا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} ، أي: إلى الموت.
قال البغوي: يعني: إلا أن يرحمهم ويمتّعهم على حين آجالهم.
قوله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47) } .
قال البغوي: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} ، قال ابن عباس: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} يعني: الآخرة فاعملوا لها {وَمَا خَلْفَكُمْ} يعني: الدنيا فاحذروها، ولا تغترّوا بها. وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم {وَمَا خَلْفَكُمْ} عذاب الآخرة، وهو قول قتادة، ومقاتل. {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} والجواب محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا أعرضوا عن دليله ما بعده. {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أي: دلالة على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم -، {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} .
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} أعطاكم الله {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ} أنرزق {مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} ؟ وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة: أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم، قالوا: {أَنُطْعِمُ} أنرزق {مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} رزقه ثم لم يرزقه مع قدرته عليه، فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله، وهذا إنما يتمسّك به البخلاء يقولون: لا نعطي من حرمه الله؛ وهذا الذي يزعمون باطل لأن