قال ابن كثير: وقوله: {وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} ، لما كان أجودَ هذه الأشجار المبدل بها هو السّدْر قال: {وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} ، فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة، والمناظر الحسنة، والظلال العميقة، والأنهار الجارية، تبدّلت إلى شجر الأراك، والطرفاء، والسّدْر ذي الشوك الكثير، والثمر القليل، وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل، ولهذا قال تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ} .
قوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) } .
عن مجاهد: {الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} ، قال: الشام. وقال الحسن في قوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} ، قال: قرى متواصلة؛ كان أحدهم يغدو فيَقيل في قرية، ويروح فيأوي إلى قرية أخرى. وعن مجاهد قوله: {قُرًى ظَاهِرَةً} ، قال: السروات.
وقوله تعالى: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} .
قال البغوي: أي: قدّرنا مسيرهم في الغدوّ والرواح على قدر نصف يوم، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار، {سِيرُوا فِيهَا
لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} ، قال قتادة: لا يخالفون ظلمًا ولا جوعًا، {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} ، قال ابن عباس: فإنهم بطروا عيشهم وقالوا: لو كان جنى جناتنا أبعد مما هي، كان أجدر أن نشتهيه، فمُزِّقوا بين الشام، وسبأ. وبُدّلوا بجنتيهم: {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} . عن قتادة: {فَجَعَلْنَاهُمْ