فوضعتها تحت رأسها، فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها، فألقى الكتاب على نحرها. هذا قول قتادة. وقال ابن منبه، وابن زيد: كانت لها كوّة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع، فإذا نظرت إليها سجدت لها، فجاء الهدهد الكوّة فسدّها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليها، فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت، لأن ملك سليمان كان في خاتمه، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب إليها أعظم مُلْكًا، فقرأت الكتاب وتأخّر الهدهد غير بعيد، فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها فجاءوا وأخذوا مجالسهم، {قَالَتْ} لهم بلقيس: {يَا أَيُّهَا المَلَأُ} وهم أشراف الناس وكبراؤهم، {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} قيل: سمّته كريمًا لأنه كان مصدّرًا ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم بيّنت الكتاب فقالت: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} وبيّنت المكتوب فقالت: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ، قال ابن عباس: أي: لا تتكبّروا عليّ وائتوني مسلمين، مؤمنين طائعين. انتهى ملخصًا.

وقوله تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} ، أي: أشيروا عليّ فيما عرض لي {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} أي: تحضرون {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم قالوا: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} في القتال، {فَانظُرِي} من

الرأي {مَاذَا تَأْمُرِينَ} فنمتثل أمرك ونطيعه. قال الحسن: فوضعوا أمرهم إلى عجلة تضطرب ثدياها، {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً} ، أي: دخلوها عنوة {أَفْسَدُوهَا} خرّبوها، {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} تحذّرهم سير سليمان ودخوله بلادهم.

قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ، ثم عدلت إلى المصالحة والمهادنة فقالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} ، قال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها، علمت أن الهدية تقع موقعًا من الناس، {فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} من النبوة والدين والحكمة والملك، {خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015