قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) } .
قال ابن زيد: المترفون: العظماء. {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} ، يقول: فإذا أخذناهم بالعذاب جأروا، يقول: ضجّوا واستغاثوا مما حلّ بهم من
عذابنا، {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ} ، قال الربيع: لا تجزعوا الآن حين حلّ بكم العذاب إنه لا ينفعكم، فلو كان هذا الجزع قَبْل نَفَعَكُمْ.
{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} ، قال ابن عباس يقول: تُدْبِرون، {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} ، يقول: مستكبرين بحرم البيت لأنه لا يظهر علينا فيه أحد، {سَامِراً} ، يقول: يسمرون حول البيت، {تَهْجُرُونَ} ، قال: يهجرون ذكر الله والحق، وقال ابن زيد: كانوا يسمرون ليلهم ويلعبون ويتكلّمون بالشعر والكهانة، وبما لا يدرون. وعن مجاهد: {تَهْجُرُونَ} ، قال: بالقول السيِّئ في القرآن.
قوله عز وجل: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) } .
قال البغوي: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا} ، يعني: يتدّبروا، {الْقَوْلَ} ، يعني: ما جاءهم من القول وهو: القرآن. فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم -، {أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} ؟ فأنكروا، يريد أنا
قد بعثنا من قلبهم رسلاً إلى قومهم، كذلك بعثنا محمدًا إليهم؛ وقيل: (أم) بمعنى: (بل) .