وبعد ذلك يبقى الناس في قبورهم، وفي أحوالهم إلى القيامة الكبرى التي أخبر الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأجمع عليها المسلمون، فالقيامة البعث بعد الموت، فالإيمان بها من أصول الإيمان، ومن أنكر البعث فهو كافر {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} [(7) سورة التغابن] والحديث عن البعث في القرآن طويل، ومستفيض، ومتنوع، وكثير، وواسع.
قال المؤلف"يقوم الناس من قبورهم" هذه القيامة الكبرى، تُعاد الأرواح إلى الأجساد، ويُجمع شتات الأبدان، يجمع ما تمزق وتفرق ويُعاد خلقا جديدا {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [(2 - 4) سورة ق] فالأجزاء المتفرقة والأوصال المتمزقة والعظام النخرة يجمعها ربك، وينشئها نشأة أخرى، ويعيد الأرواح نفسها إلى تلك الأبدان التي ينشئها الله نشئا جديدا، فتتشقق عن الناس قبورهم، {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ} [(44) سورة ق] تتشقق الأرض كما تتشقق عن النبات، يدفن البذر في الأرض فتنمو هذه البذور فتنشق عنها الأرض، فتخضر وتخرج الأشجار والثمار، والله شبه إحياء الأموات وإخراجهم من قبورهم بإحياء الأرض بعد موتها {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(5 - 6) سورة الحج] وفي الآية الأخرى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(39) سورة فصلت] وهذا المعنى في القرآن كثير.
ويكونون "حفاة عراة غرلا " أي غير منتعلين، ولا مكتسين، ولا مختونين {كَمَا بَدَانَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [(104) سورة الأنبياء] ولما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك، سألته أم المؤمنين عائشة: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يا عائشة إن الأمر أشد من أن