... أيها المسلم الكريم قف معي قليلا لنفكر سويا في ماضي أمتنا المسلمة وما كانوا عليه من عزة وهناء وما كان لهم من ملك واسع وعدل شامل ومنعة ونفوذ ومهابة لا مثيل لها في جميع أنحاء المعمورة دون أن تكون لهم جيوش مؤلفة أو أساطيل قوية تمخر البحار أو دبابات تجوب البراري والقفار أو طيارات سابحة في الفضاء أوصواريخ تقذف بعيدة المدى، وما نحن فيه اليوم ويا للأسف من ذل وفرقة ومهانة وعزلة رغم كثرة عددنا وعظم قوتنا وكل ذلك نتيجة لما حصل بين المسلمين من تنافر وتطاحن وتهاجر وتشاحن وإعراض عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الأمة الإسلامية لو رجعت إلى قول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) فالإسلام حين سطع نوره في مكة المكرمة وارتفع صوته من المدينة المنورة بعد أن هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد القبلتين العظيمتين اللتين رفعتا لواء الإسلام ونصرتا رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقتين فجمعهم الله بهداه بعد فرقتهم وبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإسلام لا يقوم على العنصرية أو الشعوبية ولا على القومية والجنسية ولا يقوم على تفرق في العقيدة أوالرأي أو الوجهة فإن الدعوة المشوبة بذلك يكون مالها الفشل ومصيرها الفناء وبين النبي صلى الله عليه وسلم الطريق السوي لسعادة الدارين وعرفهم أن دين الإسلام بني على التعاون على الحق ومحو فرقة الجنسية وتلى عليهم قول الله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وجاء (كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي إلا بتقوى الله) وبين لهم أن الله واحد وأن نبي الإسلام واحد وأن القبلة واحدة وأن كتاب الله واحد لا يجوز العمل بغير هداه فعلى هذا يجب أن تكون كلمة المسلمين واحدة فجمع الله شملهم ووحد كلمتهم وقضى على الفرقة التي كانت بينهم وأصبحوا إخوة متحابين ورجالا مؤمنين كلمتهم واحدة ووجهتهم واحدة تحت راية الإسلام القوية التي لا تفضل أحدا على أحد إلا بتقوى الله عز وجل، فقد رفع الإسلام أقواما كانوا في ذلة ومهانة، ووضع أقواما كانوا في أعلى قمة المجد ومنتهى السؤدد فلما لم يؤمنوا بالإسلام وضعهم الله فكانوا في أسفل سافلين ورحم الله القائل:
(لقد رفع الإسلام سلمان فارس
كما وضع الشرك الشقي أبا لهب)
أخي المسلم إذا اتحدت قلوب الأمة على الحق وتألفت نفوسها على الخير وطهرت مجتمعها من الرذيلة وتعاون أفرادها وجماعاتها على البر والتقوى نالوا الخير العظيم والسعادة الأبدية وفازوا بالرقي المحمود وشيدوا بناء مستقبلهم على أساس من الدين ونور من رب العالمين، أما إذا سادت دعوة القومية والعصبية والشعوبية والعنصرية وحصل الشقاق ووجد التفرقة والتناحر كانت المصيبة العظمى والطامة الكبرى التي تهدم بنيا ن الأمم المشيد وتقضي على حضارتها وتحكم على مستقبلها بالذل والتقهقر وتنذرها بوخامة العاقبة وسوء المصير، فمن أجل ذلك نهى الله الأمة الإسلامية عن التناحر والإختلاف وحذرها من التفرقة والإنحراف وتوعدها بالفشل والإتلاف فقال تعالى: (أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) هكذا أيها المسلم الكريم يرشدك ربك إلى ما هو في صلاحك دينا ودنيا، فقف معي قليلا لنرجع إلى سيرة أسلافنا الكرام وما كانوا عليه من شرف رفيع وعز منيع وقوة قاهرة قهرت كل جبابرة العالم والتي سقط أمامها عروش الظلم والطغيان وأوكار الإستبداد والعصيان ومعاقل الكبرياء الجوفاء والعز الموهوم، فقد تمكن أولئك الأسلاف الأمجاد من نشر لواء الإسلام في جميع أصقاع المعمورة وبسطوا لواء العدل والمساواة بين أفراد الأمة ولم يكن ذلك كما قدمنا بكثرة العدد ولا بقوة العدة ولكنه والله يعلم إنما كان بسبب اتصافهم بالإيمان وتمسكهم بدينهم القويم وتحاكمهم إلى القرآن مع صدق في الأقوال والأفعال ووفاء بالوعود والعهود وحب بعضهم لبعض وإخاء في الله واتحاد كامل في جميع ميادين الحياة "يأهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن".