فَاعْلَم أَن الحَدِيث الْمَأْثُور عَن رَسُول الله ص = وَعَن أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم تعرض لَهُ ثَمَانِي علل أولاها فَسَاد الْإِسْنَاد
وَالثَّانيَِة من جِهَة نقل الحَدِيث على مَعْنَاهُ دون لَفظه
وَالثَّالِثَة من جِهَة الْجَهْل بالإعراب
وَالرَّابِعَة من جِهَة التَّصْحِيف
وَالْخَامِسَة من جِهَة إِسْقَاط شَيْء من الحَدِيث لَا يتم الْمَعْنى إِلَّا بِهِ
وَالسَّادِسَة أَن ينْقل الْمُحدث الحَدِيث ويغفل السَّبَب الْمُوجب لَهُ أَو بِسَاط الْأَمر الَّذِي جر ذكره
السَّابِع أَن يسمع الْمُحدث بعض الحَدِيث ويفوته سَماع بعضه
الثَّامِنَة نقل الحَدِيث من الصُّحُف دون لِقَاء الشُّيُوخ
وَقد أحببنا أَن نقتصر مِمَّا ذكر على مَا هُوَ أمس بِمَا نَحن بصدده
الْعلَّة الأولى وَهِي فَسَاد الْإِسْنَاد
وَهَذِه الْعلَّة هِيَ أشهر الْعِلَل عِنْد النَّاس حَتَّى إِن كثيرا مِنْهُم يتَوَهَّم أَنه إِذا صَحَّ الْإِسْنَاد صَحَّ الحَدِيث وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ قد يتَّفق أَن يكون رُوَاة الحَدِيث مشهورين بِالْعَدَالَةِ معروفين بِصِحَّة الدّين وَالْأَمَانَة غير مطعون عَلَيْهِم وَلَا مستراب بنقلهم ويعرض مَعَ ذَلِك لأحاديثهم أَعْرَاض على وُجُوه شَتَّى من غير قصد مِنْهُم إِلَى ذَلِك
والإسناد يعرض لَهُ الْفساد من أوجه مِنْهَا الْإِرْسَال وَعدم الِاتِّصَال وَمِنْهَا أَن يكون بعض رُوَاته صَاحب بِدعَة أَو مُتَّهمًا بكذب وَقلة ثِقَة أَو مَشْهُورا ببلة وغفلة أَو يكون متعصبا لبَعض الصَّحَابَة منحرفا عَن بَعضهم فَإِن من كَانَ مَشْهُورا بالتعصب ثمَّ روى حَدِيثا فِي تَفْضِيل من يتعصب لَهُ وَلم يرد من غير طَرِيقه لزم أَن يستراب بِهِ
وَذَلِكَ أَن إفراط عصبية الْإِنْسَان لمن يتعصب لَهُ وَشدَّة محبته يحملهُ على افتعال الحَدِيث وَإِن لم يفتعله بدله وَغير بعض حُرُوفه
وَمِمَّا يبْعَث على الاسترابة بِنَقْل النَّاقِل أَن يعلم مِنْهُ حرص على الدُّنْيَا وتهافت على الِاتِّصَال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عِنْدهم فَإِن من كَانَ بِهَذِهِ الصّفة لم يُؤمن عَلَيْهِ التَّغْيِير والتبديل والافتعال للْحَدِيث وَالْكذب حرصا على مكسب يحصل عَلَيْهِ أَلا ترى قَول الْقَائِل
(وَلست وَإِن قربت يَوْمًا ببائع ... خلاقي وَلَا ديني ابْتِغَاء التحبب)