172- وفي موقف الصحابة الآخرين ما يبين لنا بجلاء -أنهم قبلوا خبر الواحد، ورجعوا إليه، وعارضوا ما يخالفه، فابن عباس، رضي الله عنه خطأ رجلًا قال: إن موسى، صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. ورد عليه بخبر أبي بن كعب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي يقول: إن موسى صاحب الخضر عليه السلام هو موسى بني إسرائيل1. وسأل طاوس ابن عباس عن الركعتين بعد العصر؟ فنهاه عنهما. قال طاوس: فقلت له: ما أدعهما!. وهنا بدا لابن عباس أنه يخالف سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتلا له قوله عز ذكره: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} 2. "فرأى ابن عباس الحجة قائمة على طاوس بخبره عن النبي، صلى الله عليه وسلم3" ... وكان ابن عمر يرى المخابرة جائزة، وينتفع بها، حتى أخبره واحد لا يتهمه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عنها فتركها، ولم يستعمل رأيه مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم4.
173- ويلفت الشافعي النظر هنا إلى أن عمل بعض الصحابة بخلاف الخبر لا يضعفه، وبهذا يرد على من اتخذوا هذا مقياسًا لعدم صحة الخبر، ولا يثبتونه عندئذ، فيقول: "وفي هذا ما يبين أن العمل بالشيء بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا لم يكن بخبر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يوهن الخبر عن النبي عليه السلام5".