فعندما أخبره أبو موسى الأشعري عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن الاستئذان ثلاث مرات، ثم يرجع الزائر إذا لم يؤذن له -طلب آخر يخبره بذلك، وقد صرح في بعض الروايات بأن هذا للحيطة، حيث قال: "أما إني لم أتهمك، ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله، صلى الله عليه وسلم".
168- وإذا كانت الرواية التي يصرح فيها عمر بأنه لم يتهم أبا موسى الأشعري، كما روى الشافعي، منقطعة1، فإن المعقول يقويها، لأن عمر في غير هذا الخبر قبل خبر الواحد، ولا يجوز على إمام عاقل أن يقبل خبر الواحد مرة، وهو يعلم أنه تقوم به الحجة، ثم يرد مثله مرة أخرى إلا لسبب آخر مثل زيادة الاحتياط وتعليم الناس ذلك، كما هنا2.
169- وفي القرآن الكريم دليل على أن الحجة على الخلق تقوم بالواحد من الرسل، ومع هذا، وزيادة في تأكيد الحجة على القوم الذين أرسل إليهم الرسل -قد يرسل الله عز وجل أكثر من رسول، قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} 3. عقب الإمام فكذبوهما، فعززنا بثالث، فقالوا: إنا إليكم مرسلون3". عقب الإمام الشافعي على هذا بقوله: "فظاهر الحجج عليهم باثنين، ثم ثالث وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة في التأكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد4".