ويبين وجه الاستدلال بهذا الخبر، فيقول: إن أهل قباء من سابقي الأنصار، وأهل فقه، وقد كانوا يستقبلون قبلة فرضها الله عليهم، ولم يكونوا بتاركي هذا الفرض إلا بما تقوم به الحجة ... وكان ذلك بخبر الواحد -كما رأينا في هذا الحديث- ولم ينتظروا أن يسمعوا ذلك من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو ينقل إليهم هذا الخبر عامة الناس، فيكون متواترًا. كما أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم ينكر عليهم ما فعلوا، ولو كان يرى أن خبر الواحد لا تقوم به الحجة"، لقال لهم: إن شاء الله-: "قد كنتم على قبلة، ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم به عليكم حجة، من سماعكم مني، أو خبر عامة، أو أكثر من خبر واحد عني"1.
5- وامتنع بعض الصحابة من شرب الخمر بعدما أتاهم آت وأخبرهم بتحريمها، فروى الشافعي بسنده عن أنس بن مالك قال: "كنت أسقي أبا طلحة، وأبا عبيدة بن الجراح، وأبي بن كعب شرابًا، من فضيخ وتمر، فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا، فضربتها بأسفله، حتى تكسرت2".
ولم يقل أحد من الموجودين نحن على تحليلها؛ حتى نلقى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع قربه منا، أو يأتينا خبر عامة، وإنما قبلوا خبر الواحد هذا3.
6- وأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنيسًا أن يغدو على امرأة رجل، ذكر أنها زنت، "فإن اعترفت فارجمها"، فاعترفت فرجمها4.
ولو لم تقم الحجة بخبر الواحد ما اكتفى بأن يكلف واحدًا بالقيام بهذا الذي كلف به أنيسًا5.