بَاب ألقاب الْحُرُوف ومدارجها
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: اعْلَم أَن الْحُرُوف الذُّلْق والشفوية ستّة: ر ل ن ف ب م. فالراء وَاللَّام وَالنُّون سمِّيت ذُلْقاً لأنّ الذّلاقة فِي الْمنطق إِنَّمَا هِيَ بطرَف أسَلة اللِّسَان. وسمِّيت الْفَاء وَالْبَاء وَالْمِيم شفوية لأنّ مخرجها بَين الشفتين، لَا تعْمل الشفتان فِي شَيْء من الْحُرُوف إلاّ فِي هَذِه الثَّلَاثَة الأحرف. فأمّا سَائِر الْحُرُوف فَإِنَّهَا ارْتَفَعت فجرَتْ فوقَ ظهر اللِّسَان من لَدُنْ بَاطِن الثنايا من عِنْد مخرج الثَّاء إِلَى مخرج الشين بَين الْغَار الْأَعْلَى وَبَين ظهر اللِّسَان. وَلَيْسَ للسان فيهّن أَكثر من تَحْرِيك الطبقين بهنّ. وَلم ينحرفن عَن ظهر اللِّسَان انحراف الرَّاء وَاللَّام وَالنُّون.
فأمّا مخرج الْجِيم وَالْقَاف فَبين عَكدة اللِّسَان وَبَين اللَّهاة فِي أقْصَى الْفَم. وأمّا مخرج الْعين والحاء وَالْهَاء والغين فَمن الحَلْق.
وأمّا مخرج الْهمزَة فَمن أقْصَى الْحلق. وَهِي مهتوتة مضغوطة، فَإِذا رُفِّه عَنْهَا لانت وَصَارَت الْيَاء وَالْألف وَالْوَاو على غير طَريقَة الْحُرُوف الصِّحَاح.
وَلما ذلِقت الْحُرُوف الستّة ومَذِل بهنّ اللِّسَان وسَهُلت فِي الْمنطق، كثرت فِي أبنية الْكَلَام، فَلَيْسَ شيءٌ من بِنَاء الخماسيّ التَّام يَعرَى مِنْهَا أَو من بَعْضهَا. فَإِن وردَ عَلَيْك خماسيٌّ معرّى من الْحُرُوف الذُّلق والشفوية فَاعْلَم أنّه مولَّد وَلَيْسَ من صَحِيح كَلَام الْعَرَب؛ نَحْو الخَضَعْثَج والكَشَعْطَج وَأَشْبَاه ذَلِك، وَإِن أشبه لَفظهمْ وتأليفَهم فَلَا تقبلنَّ مِنْهُ شَيْئا؛ فإنّ النحارير ربَّما أدخلُوا على النَّاس مَا لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب إِرَادَة التلبيس والتعنُّت.
وأمّا بِنَاء الرباعي المنبسط فإنّ الْجُمْهُور الْأَكْثَر مِنْهُ لَا يعرى من بعض الْحُرُوف الذُّلق إلاّ كلماتٍ نَحوا من عشر، جئن شواذَّ، فسَّرناهُنّ فِي أمكنتها، وَهِي: العَسْجد، والعَسَطوس، والقُداحِس، والدُّعْشُوقة، والدُّهَدعة، والدَّهدقة، والزَّهزقة.