وإنما تتحرك بقواها نحو كمالاتها الخاصة بها والإنسان معرض لها مندوب إليها مزاح العلة فيها وهو مع ذلك غير محصل لها ولا سع نحوها.

وهو مع ذلك مؤثر لضدها يستعمل قواه الشريفة في الأمور الدنيئة وتلك محصلة لكمالاتها التي تخصها فإذا الأنعام إذا منعت الخيرات الإنسية حرمت جوار الأرواح الطيبة ودخول الجنة التي وعد المتقون فهي معذورة. والإنسان غير معذور. مثل الأول مثل الأعمى إذا جار عنالطريق فتردى في بئر فهو مرحوم غير ملوم. ومثل الثاني مثل بصير يجور على بصيرة حتى يتردى في البئر فهو ممقوت ملوم. وإذ قد تبين أن السعيد لا محالة في إحدى المرتبتين اللتين ذكرناها فقد تبين أيضا أن أحدهما ناقص مقصر عن الآخر وأن الأنقص منهما ليس يخلو ولا يتعرى من الآلام والحسرات لأجل خدائع الطبيعة والزخارف الحسية التي تعترضه فيما يلابسه وتعوقه عما يلاحظه وتمنعه من الترقي فيها على ما ينبغي وتشغله بما يتعلق به من الأمور الجسمانية. فصاحب هذه المرتبة غير كامل على الإطلاق ولا سعيد تام، وأن صاحب المرتبة الأخرى هو السعيد التام وهو الذي توفر حظه من الحكمة فهو مقيم بروحانيته بين الملاء الأعلى يستمد منهم لطائف الحكمة ويستنير بالنور الإلهي ويستزيد من فضائله بحسب عنايته بها وقلة عوائقه عنها. ولذلك يكون أبدا خاليا من الآلام والحسرات التي لا يخلو صاحب المرتبة الأولى منها ويكون مسرورا أبدا بذاته مغتبطا بحاله وبما يحصل له دائما من فيض نور الأمل فليس يسر إلا بتلك الأحوال ولا يغتبط إلا بتلك المحاسن ولا يهش إلا لإظهار تلك الحكمة بين أهلها ولا يرتاح إلا لمن ناسبه أو قاربه وأحب الإقتباس منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015