أما تصحيح المقدمة الأولى. وهي أن كل خلق يمكن تغيره فقد تكلمنا عليه وأوضحناه وهو بين من العيان ومما استدللنا به من وجوب التأديب ونفعه وتأثيره في الأحداث والصبيان ومن الشرائع الصادقة التي هي سياسة الله لخلقه وإما تصحيح المقدمة الثانية وهي أنه لا شيء مما يمكن تغيره هو بالطبع فهو ظاهر أيضا. وذلك أنا لا نروم تغيير شيء مما هو بالطبع أبدا. فإن أي أحد لا يروم أن يغير حركة النار التي إلى فوق بأن يعودها الحركة إلى أسفل ولا أن يعود الحجر حركة العلوم يروم بذلك أن يغير حركة الطبيعة التي إلى أسفل. ولو رامه ما صح له تغيير شيء من هذا ولا ما يجري مجراه أعني الأمور التي هي بالطبع فقد صحت المقدمتان وصح التأليف في الشكل الأول وهو الضرب الثاني منه وصار برهانا. فأما مراتب الناس في قبول هذه الآداب التي سميناها خلقا والمسارعة إلى تعلمها والحرص عليها فإنها كثيرة وهي تشاهد وتعاين فيهم وخاصة في الأطفال فإن أخلاقهم تظهر فيهم منذ بدء نشأتهم ولا يسترونها بروية ولا فكر كما يفعله الرجل التام الذي انتهى في نشؤه وكماله إلى حيث يعرف من نفسه ما يستقبح منه فيخفيه بضروب من الحيل والأفعال المضادة لما في طبعه: وأنت تتأمل من أخلاق الصبيان واستعدادهم لقبول الأدب أو نفورهم عنه أو ما يظهر في بعضهم من القحة وفي بعضهم من الحياء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015