ومن ههنا يعلم أن من فارقت نفسه بدنه وهي مشتاقة إليه مشفقة عليه خائفة من فراقه فهي في غاية الشقاء والبعد من ذاتها وجوهرها سالكة إلى أبعد جهاتها من مستقرها طالبة قرار ما لا قرار له. أما من ظن أن للموت ألما عظيما غير ألم الأمراض التي ربما اتفق أن تتقدم الموت وتؤدي إليه فعلاجه أن يبين له أن هذا ظن كاذب لأن الألم إنما يكون للحيّ والحي هو القابل أثر النفس.
وأما الجسم الذي ليس فيهأثر النفس فإنه لا يألم ولا يحس فإذا الموت الذي هو مفارقة النفس البدن لا ألم له لأن البدن إنما كان يألم ويحس بأثر النفس فيه فإذا صار جسما لا أثر فيه للنفس فلا حس له ولا ألم.
فقد تبين أن الموت حال للبدن غير محسوس عنده ولا مؤلم لأنه فراق ما به كان يحس ويتألم فأما من خاف الموت لأجل العقاب الذي يوعد به بعد. فينبغي أن نبين له أنه ليس يخاف الموت بل يخاف العقاب والعقاب إنما يكون على شيء باق بعد البدن الدائر. ومن اعترف بشيء باق منه بعد البدن وهو لا محالة معترف بذنوب له وأفعال سيئة يستحق عليها العقاب ومع ذلك هو معترف بحاكم عدل يعاقب على السيئات لا على الحسنات فهو إذا خائف من ذنوبه لا من الموت.
ومن خاف عقوبة على ذنب فالواجب عليه أن يحذر ذلك الذنب ويجتنبه.
وقد بينا فيما تقدم أن الأفعال الرديئة التي تسمى ذنوبا إنما تصدر عن هيئات رديئة والهئيات هي للنفس وهي الرذائل التي أحصيناها وعرفناك أضدادها من الفضائل. فإذا الخائف من الموت على هذه الطريقة ومن هذه الجهة جاهل بما ينبغي أن يخاف منه وخائف بما لا أثر له ولا خوف منه وعلاج الجهل هو العلم فإذا الحكمة هي التي تخلصنا من هذه الآلام والظنون الكاذبة التي هي نتائج الجهالات والله الموفق لما فيه الخير، وكذلك نقول لمن خاف الموت لأنه لا يدري على ما يقدم بعد الموت لأن هذه حال الجاهل الذي يخاف بجهله فعلاجه أن يتعلم ليعلم ويشتاق.
وذلك ان من أثبت لنفسه