وأما المزاح فإن المعتدل منه محمود وكان رسول الله صلى الله عليه يمزح ولا يقول غلا حقا. وكان أمير المؤمنين كثير المزاح حتى عابه بعض الناس فقال لولا دعاية فيه. ولكن الوقوف على المقدار المعتدل منه صعب وأكثر الناس يبتدىء ولا يدري أين يقف منه فيخرج عن حده ويروم الزيادة فيه على صاحبه حتى يصير سببا للوحشة فيثير غضبا كامنا ويزرع حقدا باقيا فلذلك عددناه في الأسباب فينبغي أن يحذره من لا يعرف حده ويذكر قول القائل:
رب جد جره اللعب ... وبعض الحرب أوله مزاح
ثم يهيج فتنة لا يهتدي لعلاجها. وأما التيه فهو قريب من العجب والفرق بينهما أن المعجب يكذب نفسه فيما يظن لها والتياه يتيه على غيره ولا يكذب نفسه غلا أن علاجه علاج المعجب بنفسه. وذلك بأن يعرف أن ما يتيه به لا مقدار له عند العقلاء وأنهم لا يعتدون به لخساسة قدره ونزارة حظه من السعادة ولأنه متغير زائل غير موثوق ببقاءه ولأن المال والأثاث وسائر الأعراض قد توجد عند كل صنف من الناس الأراذل والأشراف والجهال.
فأما الحكمة فليست توجد إلا عند الحكماء خاصة.