وأما المفتخر بنسبة فأكثر ما يدعيه إذا كان صادقا أن أباه كان فاضلا فلو حضر ذلك الفاضل وقال أن الفضل الذي تدعيه لي أنا مستبد به دونك فما الذي عندك منه مما ليس عند غيرك لأفحمه وأسكته.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى أخبار كثيرة صحيحة منها أنه قال: (لا تأتوني بأنسابكم وائتوني بأعمالكم) أو ما هذا معناه. ويحكى عن مملوك كان لبعض الفلاسفة أنه افتخر عليه بعض رؤساء زمانه فقال له إن افتخرت علىَّ بفرسك فالحسن والفراهة للفرس لا لك. وإن افتخرت بثيابك وآلاتك فالحسن لها دونك. وإن افتخرت بآبائك فالفضل كان فيهم دونك. فإذا كانت الفضائل والمحاسن خارجة عنك وأنت منسلخ عنها وقد رددناها على أصحابها بل لم تخرج عنهم فترد عليهم وأنت ممن يحقق ذلك إن شاء الله تعالى. وحكي عن بعض الفلاسفة أنه دخل على بعض أهل اليسار والثروة وكان يحتشد في الزينة ويفتخر بكثرة آلاته وقد حضرت الفيلسوف بصقة فتنخع لها والتفت في البيت يمينا وشمالا ثم بصق في وجه صاحب البيت فلما عوتب على ذلك قال: (إني نظرت إلى البيت وجميع ما فيه فلم أجد هناك أقبح منه فبصقت عليه) وهكذا يستحق من كان خاليا من فصائل نفسه وافتخر بالخارجات عنه.
فأما المراء واللجاج. فقد ذكرنا قبح صورتهما في المقالة التي قبل هذه وما يولدانه من الشتات والفرقة والتباغض بين الإخوان.