مثال ذلك أنا إذا أخرجنا من مركز الدائرة خطا مستقيما إلى المحيط صار طرفاه محدودين أحدهما المركز والآخر نهايته عند المحيط والبعد بينهما غاية البعد. ومثاله من المحسوس البياض والسوادفان أحدهما يضاد الآخر وهما محدودان موجودان والبعد بين الضدين غاية البعد فأما التي بينهما فهي بلا نهاية وكذلك الألوان هي بلا نهاية. وأما أطراف الفضيلة فلما كانت أكثر من واحد لمتسم ضدا لأن لكل ضد ضدا واحدا ولا يمكن أن توجد أضداد كثيرة لضد واحد.

والسبب في ذلك أن البعد بينهما غاية البعد وقد نجد للفضيلة الواحدة أكثر من واحد.

وذلك إذا تصورنا الفضيلة مركزا وأخرجنا منه خطا مستقيما فحصلت له نهاية أمكننا أن نخرج من الجانب الآخر المقابل له خطا آخر على استقامته فتصير له نهاية أخرى ويصيران جميعا مقابلين للمركز الذي فرضناه فضيلة إلا ان أحدهما يجري مجرى الأفراط والغلو والآخر يجري مجرى التفريط والتقتير. وإذا قد فُهم ذلك فليعلم أن لكل فضيلة طرفين محدودين يمكن الإشارة إليهما وأوساط بينهما كثيرة لا نهاية لها ولا يمكن الإشارة إليها. إلا أن الوسط الحقيقي هو واحد الذي سميناه فضيلة.

التهور والجبن

ثم ليعلم أننا بحسب هذا البيان نجعل أجناس الشرور والرذائل ثمانية لأنها ضعف الفضائل الأربع التي تقدم شرحها وهي هذه: التهور والجبن طرفان للوسط الذي هو الشجاعة. والشره والخمود طرفان للوسط الذي هو العفة. والسفه والبله طرفان للوسط الذي هو الحكمة. والجور والمهانة (أعني الظلم والإنظلام) طرفان للوسط الذي هو العدالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015