وليس يختار العاقل فنسه هذه الحال بل هي من أفعال المجانين الذين لا يميزون بين الخير والشر ولا بين الصواب والخطأ. ولذلك يحب أن لا يتذكر أعمال هاتين القوتين لئلا يشتاق إليهما ويتحرك نحوهما بل يتركهما فإنهما سيثوران لأنفسهما ويهيجان عند حاجتهما ويلتمسان ما يحتاج البدن إليه ويتخذان من باعث الطبيعة ما يغنيك عن بعثهما بالفكر والروية والتمييز فيكون حينئذ فكرك وتمييزك في إزاحة علتهما وتقدير ما تطلقه لهما في الأمر الضروري الواجب لأبداننا الحافظ لصحتها.
وهذا هو إمضاء مشيئة الله تعالى وإتمام سياسته لأنه تعالى إنماوهب هاتين القوتين لنا لنستخدمهما عند حاجتنا إليهما لا لنخدمهما ونتعبد لهما.
فكل من استعمل النفس الناطقة في خدمة عبدها فقد تجاوز أمر الله وتعدة حدوده وعكس سياسته وتقديره. وذلك أن خالقنا عز وجل رتب لنا هذه القوى بتدبيره وتقديره ولا عدل اشرف وأفضل من ترتيبه وتقديره وكل من خالفه وعدل عنه فهو أعظم على ذاته وأكبر ظالم لنفسه.
ينبغي لحافظ الصحة علىنفسه أن يلطف نظره في كل ما يعمل ويدربر ويستعمل فيه آلات بدنه ونفسه لئلا يجري فيها على عادة تقدمت له مخالفة لما يوجب تمييزه ورويته فما أكثر ما يعرض للإنسان من بدو أفعال تخالف ما قدم فيه عزيمته وعقد عليه رأيه.