أحد في ذلك من أولى السبائك والمتصلين بك لا جدا ولا هزلا وكيف تحتمل ذلك فيه وأنت عينه وقلبه وخليفته على الناس كلهم بل أنت هوفإنه إن بلغه شيء مما حذرتك منه لم يشك أن ذلك كان عن رأيك وهواك فينقلب عدوا وينفرك عنك نفور الضد.

فإن عرفت منه أنت عيبا فوافقه عليه موافقة لطيفة ليس فيها غلظة. فإن الطبيب الرقيق ربما بلغ بالدواء اللطيف ما يبلغه غيره بالشق والقطع والكي بل ربما توصل بالغذاء إلى الشفاء واكتفى به عن المعالجة بالدواء. ولست أحب أن تغضى عما تعرفه في صديقك وأن تترك موافقته عليه بهذا الضرب من الموافقة.

فإن ذلك خيانة منك ومسامحة فيما يعود ضرره عليه وليس من حق الصديق أن يعرف ويبذل بعيوب الأضداد حتى يعيبوه ويثلبوه. ثم احذر النميمة وسماعها.

وذلك أن الأشرار يدخلون بين الأخيار في صورة النصحاء فيوهمونهم النصيحة وينقلون إليهم في عرض الأحاديث اللذيذة أخبار أصدقائهم محرفة مموهة حتى إذا تجاسروا عليهم بالحديث المختلق يصرحون لهم بما يفسد موداتهم ويشوه وجوه أصدقائهم إلى أن يبغض بعضهم بعضا.

وللقدماء في هذه المعنى كتب مؤلفة يحذرون فيها من النميمة ويشبهون صورة النمام بمن يحك بأظافيره أصول البنيان القوية حتى يؤثر فيها ثم لا يزال يزيد ويمعن حتى يدخل فيها المعقول فيقلعه من أصله ويضربون له الأمثال الكثيرة المشبهة بحديث الثور مع الأسد في كتاب كليلة ودمنه. ونحن تكتفي بهذا القدر من الإيماء لئلا نخرج عن رسم كتابنا وعما بنينا عليه مذهبنا من الإيجاز في الشرح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015