والمحبة التي سببها هذه اللذة هي التي تفرط حتى تصير عشقا تاما خالصا شبيها بالوله. وهي المحبة الإلهية الموصوفة التي يدعيها بعض المتألهين وهي التي يقول فيها أرسطوطاليس حكاية عن ابرفليطس: " إن الأشياء المختلفة لا تتشاكل ولا يكون منها تأليف جيد.

وأما الأشياء المتشاكلة وهي التي يسر بعضها ببعض ويشتاق بعضها إلى بعض فأقول عنها. إن الجواهر البسيطة إذا تشاكلت واشتاق بعضها إلى بعض تألفت وإذا تألفت صارت شيئا واحدا لا غيرية بينها إذ الغيرية إنما تحدث من جهة الهيولي. وأما الأشياء ذوات الهيولي وهي الإجرام فإنها وإن اشتاقت بنوع من الشوق إلى التألف فإنها لا تتحد ولا يمكن ذلك فيها. وذلك أنها تلتقي بنهاياتها وسطوحها دون ذواتها وهذا الإلتقاء سريع الإنفصال إذ كان التأحد فيه ممتنعا. وإنما تتأحد بنحو استطاعتها أعني ملاقاة سطوحها.

فإذا الجوهر الإلهي الذي في الإنسان إذا صفا من كدورته التي حصلت فيه من ملابسة الطبيعة ولم تجذبه أنواع الشهورات وأصناف محبات الكرامات اشتاف إلى شبيهه ورأى بعين عقله الخير الأول المحض الذي لا تشوبه مادة فأسرع إليه وحينئذ يفيض نور ذلك الخير الأول عليه فيلتذ به لذة لا تشبهها لذة ويصير إلى معنى الإتحاد الذي وصفناه استعمل الطبيعة البدنية أم لم يستعملها. إلا أنه بعد مفارقته الطبيعة بالكلية أحق بهذه المرتبة العالية لأنه ليس يصفو الصفاء التام إلا بعد مفارقته الحياة الدنيوية.

ومن فضائل هذه المحبة الإلهية أنها لا تقبل النقصان ولا تقدع فيها السعاية ولا يعترض عليها الملك ولا تكون إلا بين الأخيار فقط. وأما المحبات التي تكون بسبب المنفعة واللذة فقد تكون بين الأشرار وبين الأخيار والأشرار. إلا أنها تنقضي وتنحل مع تقضي المنافع واللذائذ لأنها عرضية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015