الصداقة

الصداقة نوع من المحبة إلا أنها أخص منها وهي المودة بعينها وليس يمكن أن تقع بين جماعة كثيرين كما تقع المحبة. وأما العشق فهو إفراط في المحبة وهو أخص من المودة وذلك أنه لا يمكن أن يقع إلا بين اثنين فقط ولا يقع في النافع ولا في المركب من النافع وغيره وإنما يع لمحب اللذة بإفراد ولمحب الخير بافراط وأحدهما مذموم والآخر محمود، فالصداقة بين الأحداث ومن كان في مثل طباعهم إنما تحدث لأجل اللذة فهم يتصادقون سريعا ويتقاطعون سريعا وربما اتفق ذلك بينهم في الزمان القليل مرارا كثيرة، وربما بقيت بقدر ثقتهم ببقاء اللذة ومعاودتها حالا بعد حال. فإذا انقطعت هذه الثقة بمعلودتها انقطعت الصداقة بالوقت وفي الحال. والصداقة من المشائخ ومن كان في مثل طباعهم إنما نقع لمكان المنفعة فهم يتصادقون بسببها فإذا كانت المنافع مشتركة بينهم وهي في الأكثر طويلة المدة كانت الصداقة باقية. فحين تنقطع علاقة المنفعة بينهم وينقطع رجاؤهم من المنفعة المشتركة تنقطع موداتهم. والصداقة بين الأخيار تكون لأجل الخير وسببها هو الخير.

ولما كان الخير شيئا غير متغير الذات صارت مودات أصحابه باقية غير متغيرة. وأيضا لما كان الإنسان مركبا من طبائع متضادة صار ميل كل واحد منها يخالف ميل الآخر. فاللذة التي توافق إحداها تخالف لذة الأخرى التي تضادها فلا تخلص له لذة غير مشوبة بأذى. ولما كان فيه أيضا جوهر آخر بسيط إلهي غير مخالط لشيء من الطبائع الأخرى صارت له لذة غير مشابهة لشيء من تلك اللذات وذلك أنها بسيطة أيضا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015