وارسطوطاليس يشبه من كان كذلك بمن يجذب من جهات كثيرة فيقطع بينها وينشق بحسب تلك الجهات وقواها.

وليس ينظم هذه الكثرة التي ركب الإنسان منها إلا الرئيس الواحد الموهوب له من الفطرة. أعني العقل الذي به تميز من البهائم وهو خليفة الله عز وجل عنده فإن هذه القوى كلها إذا ساسها العقل انتظمت وزال عنها سوء النظام الذي يحدث من الكثرة وجميع ما ذكرنا من إصلاح الأخلاق مبني عليه. فإذا تم للإنسان ذلك أعني أن يعدل على نفسه وأحرز هذه الفضيلة فقد لزمه أن يعدل على أصدقائه وأهله وعشيرته ثم يستعمله في الأباعد وسائر الحيوان وإذ قد صح ذلك وظهر ظهورا حسيا فقد ظهر بظهوره إن شر الناس من جار على نفسه ثم على أصدقائه وعشيرته ثم على كافة الناس والحيوان لأن العلم بأحد الضدين هو العلم بالضد الآخر. فخير الناس العادل وشرهم الجائر كما تبين ذلك. وقد ادعى قوم أن نظام أمر الموجودات كلها وصلاح أحوالها معلق بالمحبة وقالوا أن الإنسان إنما اضطر إلى اقتناء هذه الفضيلة أعني الهيئة التي تصدر عنها العدالة عند تعاطي المعاملات لما فاته شرف المحبة. ولو كان المتعاملون أحباء لتناصفوا ولم يقع بينهم خلاف. وذلك أن الصديق يحب صديقه ويريد له ما يريد لنفسه ولا تتم الثقة والتعاضد والتوازر الأبين المتحابين.

وإذا تعاضدوا وجمعتهم المحبة وصلوا إلى جميع المحبوبات ولم تتعذر عليهم المطالب وإن كانت صعبة شديدة. وحيئنذ ينشئون الآراء الصائبة وتتعاون العقول على استخراج الغوامض من التدابير القويمة ويتقوون على نيل الخيرات كلها بالتعاضد.

وهؤلاء القوم إنما نظروا إلى فضيلة التأحد التي تحصل بين الكثرة ولمعرى انها اشرف غايات أهل المدينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015