الشريعة تأمر بالعدالة ولما كانت الشريعة تأمر بالعدالة الكاملة لم تأمر بالتفضل الكلي بل ندبت إليه ندبا يستعمل في الجزئيات التي لا يمكن أن تعين عليها لأنها بلا نهاية وجزمت القول في العدالة الكلية لأنها محصورة يمكن أن تعين عليها وقد تبين أيضا مما قدمنا أن التفضل إنما يكون في العدالة التي تخص الإنسان في نفسه. أعني تسوية المعاملة أولا فيما بينه وبين غيره ثم الإستظهار فيه والإحتياط عليه بما يكون تفضلا ولو كان حاكما بين قوم ولا نصيب له في تلك الحكومة لم يجز له التفضل ولم يسعه إلا العدل المحض والتسوية الصحيحة بلا زيادة ولا نقصان. وتبين أيضا أن الهيئة التي تصدر عنها الأفعال العادلة متى نسبت إلى صاحبها سميت فضيلة وإذا نسبت إلى من يعامله بها سميت عدالة وإذا اعتبرت بذاتها سميت ملكة نفسانية.

فاستعمال المر العاقل العدل على نفسه أو ما يلزمه ويجب عليه. وقد ذكرنا فيما تقدم كيف يفعل ذلك وبينا كيف يعدل قواه الكثيرة إذا هاج به بعضها وأشرنا إلى أجناس هذه القوى الكثيرة وأن بعضها يكون بالشهوات المختلفة وبعضها بطلب الكرامات الكثيرة وأنها إذا تغالبت وتهايجت حدث في الإنسان باضطرابها أنواع الشر وجذبته كل واحدة منها إلى ما يوافقها وهكذا سبيل كل مركب من كثرة إذا لم يكن لها رئيس واحد ينظمها ويوحدها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015