أن يكون الشيء الواحد البسيط ذو القوة الواحدة تقع منه بتلك القوة أفعال مختلفة لا بحسب الآلات المختلفة ولا بقدر القابلات منه بل بتلك القوة الواحدة فقط. فهذ1 لعمري منكر شنيع ولكن الإنسان قد تبين من حاله أن له قوى كثيرة فيعمل بكل قوة عملا مخالفا للعمل بالأخرى أعني أن صاحب الغضب إذا استشاط يختار أفعالا مخالفة لأفعاله إذا كان ساكنا وديعا.
وكذلك صاحب الشهوة الهائجة وصاحب النشوة الطروب فإن من شأن هؤلاء أن يستخدموا العقل الشريف في تلك الأحوال ولا يستشيرونه ولذلك تجد العاقل إذا تغيرت أحواله تلك فصار من الغضب إلى الرضا ومن السكر إلى الإفاقة تعجب من نفسه وقال ليت شعري كيف اخترت تلك الأفعال القبيحة ويلحقه الندم. وإنما ذلك لأن القوة التي تهيج به تدعوه إلى ارتكاب فعل يظنه في تلك الحال صالحا له جميلا به لتتم له حركة القوة الهائجة به. فإذا سكن عنها وراجع عقله رأى قبح ذلك الفعل وفساده. وقوى الإنسان التي تدعوه إلى ضروب الشهوات ومحبة الكرامات كثيرة جدا فهو بحسب قواه الكثيرة تكون أفعاله كثيرة.
فإذا تعود الإنسان أن تكون سيرته فاضلة ولم يقدم على شيء من أفعاله إلا بعد مطالعة العقل الصريح وبعد مراعاة الشريعة القويمة كانت أفعاله كلها منتظمة غير مختلفة ولا خارجة عن سنن العدل أعني المساواة التي قدمنا القول فيها.
ولهذا السبب قلنا أن السعيد هو من اتفق له في صباه أن يأنس بالشريعة ويستسلم لها ويتعود جميع ما تأمره به حتى إذا بلغ المبلغ الذي يمكنه به أن يعرف الأسباب والعلل طال الحكمة فوجدها موافقة لما تقدمت عادته به فاستحكم رأيه وقويت بصيرته ونفذت عزيمته.