ومن خاصة الخير أن لا يكون كثير المال لأنه منفاق ولا يكون أيضا فقيرا لأنه كسوب من حيث ينبغي وهو غير متكاسل عن الكسب ألبتة لأنه بالمال يصل إلى فضيلة الخيرية. ولذلك لا يضيع المال ولا يستعمل فيه التبذير ولا يشح أيضا فلا يستعمل التقتير: خير عادل وليس كل عادل خيرا.
وفي هذا الموضع مسألة عويصة سأل عنها الحكماء أنفسهم وأجابوا عنها بجواب مقنع ويمكن أن يجاب فيها بجواب آخر أشد إقناعا ويجب أن نذكر لاجميع وهو: أن لشاك أن يشك فيقول إذا كانت العدالة فعلا اختياريا يتعاطاه العادل ويقصد به تحصيل الفضيلة لنفسه والمحمدة من الناس فيجب أن يكون الجور فعلا اختياريا يتعاطاه الجائر ويقصد به تحصيل الرذيلة لنفسه ومذمة الناس. ومن القبيح الشنيع أن يظن بالإنسان العاقل أنه يقصد الأضرار بنفسه بعدالروية وعلى سبيل الإختيار. ثم أجابوا عن ذلك وحلوا هذا الشك بأن قالوا أن من ارتكب فعلا يؤديه إلى ضرر أو عذاب فإنه يكون ظالما لنفسه وضارا لها من حيث يقدر أنه ينفعها وذلك لسوء اختياره وترك مشاورة العقل فيه. مثال ذلك الحاسد فإنه ربما جنة على نفسه لأعلى سبيل إيثار الأضرار بها بل لأنه يظن أنه ينفعها في العاجل بالخلاص من الأذى الذي يلحقه من الحسد. هذا جواب القوم وأما الجواب الآخر فهو أن الإنسان لما كان ذا قوى كثيرة يسمى بمجموعها إنسانا واحدا لم ينكر أن تصدر عنه أفعال مختلفة بحسب تلك القوى. وإنما المنكر