قد قلنا فيما سلف أن السعادة تظهر في الأفعال من العدالة والشجاعة والعفة وسائر ما تحت هذه الأنواع التي أحصيناها وحددناها.
وهذه الأفعال قد تظهر ممن ليس بسعيد ولا فاضل. وذلك أنه قد يعمل بعض الناس عمل العدول وليس بعادل ويعمل عمل الشجعان وليس بشجاع ويعمل عمل الإعفاء وليس بعفيف. مثال ذلك أن من ترك الشهوات من المآكل والمشارب وسائر اللذات التي ينهمك فيها غيره إما أنه ينتظر منها أكثر مما يحضره وإما لأنه لا يعرفها ولم يباشرها كالأعراب الذين يبعدون عن البلاد وكالرعاة في البوادي وقلل الجبال. وإما لأنه ممتلىء مما يجده ويحضره وإما لجمود شهوته ونقصان تركيبه. وإما لأنه استشعر خوفا من تناولها مكروها يلحقه بسببها. وإما لأنه ممنوع منها. فإن هؤلاء كلهم يعملون عمل الإعفاء وليسوا بإعفاء على الحقيقة وإنما يسمى عفيفا على الحقيقة من وفي العفة حدها المذكور فيما تقدم واختارها لنفسها لا لغرض آخر غيرها وآثرها لأنها فضيلة ثم تناول كل واحدة من شهواته بمقدار الحاجة ومن الوجه الذي يعمل أعمال الشجعان وليس بشجاع. وذلك أن من باشر الحروب وأقدم على ركوب الأهوال لبعض مايوصل إليه المال أو لبعض الرغبات التي لا تحد كثرة فإن الأهوال لبعض ما يوصل إليه المال أو لبعض ما يوصل إليه المال أو لبعض الرغبات التي لا تحد كثرة فإن مثل هذا يعمل عمل الشجعان ولكن يعمله بطبيعة الشره لا بطبيعة الفضيلة التي تدعي شجاعة. وكل من كان أكثر إقداما واصبر على الأهوال لهذه الأحوال يجب أن يكون أكثر شرها ونهما لا أكثر شجاعة. وذلك أنه يخاطر بنفسه الشريفة ويصبر على المكاره العظيمة طمعا في المال وما يصل إليه بالمال.