فمن ذلك قول الزبير فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه يعني بقوله أفراه شقه وفرقه لإفساده والإفراء ما كان من شق في فساد وأما الفري فهو الشق للإصلاح كما قال القائل ولأنت تخلق ما فريت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري

الْمُشْركين من أهل الْحَرْب لم يكن حَرَامًا، وَلَا مَنْهِيّا عَنهُ إِلَّا أخيرا!

وَفِي هَذَا الْخَبَر - أَيْضا - الدّلَالَة الْبَيِّنَة على أَن الْحق على من لَقِي مُشْركًا من أهل الْحَرْب عِنْد التقاء الزحفين أَلا يفر مِنْهُ، وَأَن الَّذِي لَهُ - إِن أَتَاهُ أَمر لَا طَاقَة لَهُ بِهِ - الاستطراد للكرة أَو التحيز إِلَى فِئَة، كَمَا قَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا زحفا فَلَا تولوهم الأدبار، وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره إِلَّا متحرفا لقِتَال أَو متحيزا إِلَى فِئَة فقد بَاء بغضب من الله، ومأواه جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير} .

إذ قال من يأخذ السيف بحقه وما حقه قال ألا تقتل مسلما وألا تفر به عن كافر فعم القول عليه السلام بنهيه إياه عن الفرارية من الكافر ولم يطلق له الفرارية عنه بحال فكذلك القول فيه غير جائز لمسلم الفرار عند التقاء

على ألا نفر

وَذَلِكَ أَن أَبَا دُجَانَة لما قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ قَالَ من يَأْخُذ السَّيْف بِحقِّهِ؟ -: وَمَا حَقه؟ قَالَ: " أَلا تقتل مُسلما، وَألا تَفِر بِهِ عَن كَافِر ": فَعم القَوْل - عَلَيْهِ السَّلَام - بنهيه إِيَّاه عَن الفرارية من الْكَافِر، وَلم يُطلق لَهُ الفرارية عَنهُ بِحَال، فَكَذَلِك القَوْل فِيهِ: غير جَائِز لمُسلم الْفِرَار عِنْد التقاء الزحوف من الْكَافِر، لَكِن لَهُ مَا ذكرت من الاستطراد والتحيز، وَذَلِكَ غير فرار، وَفِي ذَلِك من قَول النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - لأبي دُجَانَة تأييد الْأَخْبَار الْوَارِدَة عَن من ورد ذَلِك عَنهُ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " بَايعنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَلا نفر ".

(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")

فَمن ذَلِك قَول الزبير: " فَجعل لَا يرْتَفع لَهُ شَيْء إِلَّا هتكه وأفراه " - يَعْنِي بقوله: أفراه: شقَّه وفرقه لإفساده. والإفراء: مَا كَانَ من شقّ فِي فَسَاد. وَأما الفري: فَهُوَ الشق للإصلاح. كَمَا قَالَ الْقَائِل:

(ولأنت تخلق مَا فريت وَبَعض ... الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015