الله عليه موسى ليصلي فيه ويدعو، أو يسافر إلى غير هذه الأمكنة من الجبال وغير الجبال، التي يقال فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم، أو مشهد مَبْني على أثر نبي من الأنبياء فهذا مما يعلم كل من كان عالماً بحال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحال أصحابه من بعده، أنهم لم يكونوا يقصدون شيئاً من هذه الأمكنة.
فإن جبل حراء الذي هو أطول جبل بمكة، كانت قريش تنتابه قبل الإسلام وتتعبد هناك، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنهما - أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي: الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي غار حراء، فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد، ثم يرجع فيتزود لذلك، حتى فجَأَه الوحي، وهو بغار حراء، فأتاه المَلَك، فقال له: اقرأ. فقال: «لست بقارئ» قال: «فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني»، ثم قال: اقرأ. فقال: «لست بقارئ» قال: مرتين أو ثلاثا ـ ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5] فرجع بها