وما ذكرتموه من استحالة هذا بكون النفوس غير متناهية وكون المواد متناهية محال لا أصل له فإنه بناء على قدم العالم وتعاقب الأدوار على الدوام ومن لا يعتقد قدم العالم فالنفوس المفارقة للأبدان عنده متناهية وليست أكثر من المواد الموجودة، وإن سلم أنها أكثر فالله تعالى قادر على الخلق واستئناف الاختراع وإنكاره إنكار لقدرة الله على الأحداث. وقد سبق إبطاله في مسألة حدث العالم.
وأما إحالتكم الثانية بأن هذا تناسخ فلا مشاحة في الأسماء فما ورد الشرع به يجب تصديقه فليكن تناسخاً وإنما نحن ننكر التناسخ في هذا العالم. فأما البعث فلا ننكره سمي تناسخاً أو لم يسم.
وقولكم إن كل مزاج استعد لقبول نفس استحق حدوث نفس من المبادئ رجوع إلى أن حدوث النفس بالطبع لا بالإرادة وقد أبطل ذلك في مسألة حدث العالم. كيف ولا يبعد على مساق مذهبكم أيضاً أن يقال: إنما يستحق حدوث نفس إذا لم يكن ثم نفس موجودة فتستأنف نفس؟ فيبقى أن يقال: فلم لم تتعلق بالأمزجة المستعدة في الأرحام قبل البعث والنشور بل في عالمنا هذا؟ فيقال: لعل الأنفس المفارقة تستدعي نوعاً آخر من الاستعداد ولا يتم سببها إلا في ذلك الوقت. ولا بعد في أن يفارق الاستعداد المشروط للنفس الكاملة المفارقة الاستعداد المشروط للنفس الحادثة ابتداء التي لم تستفد كمالاً بتدبير البدن مدة، والله تعالى أعرف بتلك الشروط وبأسبابها وأوقات حضورها وقد ورد الشرع به وهو ممكن فيجب التصديق به.
المسلك الثاني أن قالوا: ليس في المقدور أن يقلب الحديد ثوباً منسوجاً بحيث يتعمم به إلا بأن تحلل أجزاء الحديد إلى العناصر