هذا التدبير ولا يمكن إعادة الإنسان وبدنه من خشب أو حديد بل لا يكون إنساناً إلا إذا انقسم أعضاء بدنه إلى اللحم والعظم والأخلاط، ومهما استعد البدن والمزاج لقبول نفس استحق من المبادئ الواهبة للنفوس حدوث نفس فيتوارد على البدن الواحد نفسان.
وبهذا بطل مذهب التناسخ وهذا المذهب هو عين التناسخ فإنه رجع إلى اشتغال النفس بعد خلاصها من البدن بتدبير بدن آخر غير البدن الأول. فالمسلك الذي يدل على بطلان التناسخ يدل على بطلان هذا المسلك.
والاعتراض هو أن يقال: بم تنكرون على من يختار القسم الأخير ويرى أن النفس باقية بعد الموت؟ وهو جوهر قائم بنفسه وأن ذلك لا يخالف الشرع بل دل عليه الشرع في قوله: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم" وبقوله عليه السلام: أرواح الصالحين في حواصل طير خضر معلقة تحت العرش، وبما ورد من الأخبار بشعور الأرواح بالصدقات والخيرات وسؤال منكر ونكير وعذاب القبر وغيره وكل ذلك يدل على البقاء.
نعم قد دل مع ذلك على البعث والنشور بعده هو بعث البدن. وذلك ممكن بردها إلى بدن أي بدن كان سواء كان من مادة البدن الأول أو من غيره أو من مادة استؤنف خلقها، فإنه هو بنفسه لا ببدنه إذ يتبدل عليه أجزاء البدن من الصغر إلى الكبر بالهزال والسمن وتبدل الغذاء ويختلف مزاجه مع ذلك وهو ذلك الإنسان بعينه فهذا مقدور لله ويكون ذلك عوداً لذلك النفس فإنه كان قد تعذر عليه أن يحظى بالآلام واللذات الجسمانية بفقد الآلة وقد أعيدت إليه آلة مثل الأولى فكان ذلك عوداً محققاً.