حتى إذا فسد فسدت، فإن المجهول لا يمكن الحكم عليه بأنه يقتضي التلازم أم لا، فلعل تلك النسبة ضرورية في وجود النفس فإن انعدمت انعدمت، فلا ثقة بالدليل الذي ذكروه.
الاعتراض الثالث هو أنه لا يبعد أن يقال: تنعدم بقدرة الله تعالى، كما قررناه في مسألة سرمدية العالم.
الاعتراض الرابع هو أن يقال: ذكرتم أن هذه الطرق الثلث في العدم تنحسم، فهو مسلم. فما الدليل على أن عدم الشيء لا يتصور إلا بطريق من هذه الطرق الثلث؟ فإن التقسيم إذا لم يكن دائراً بين النفي والإثبات فلا يبعد أن يزيد على الثلث والأربع، فلعل للعدم طريقاً رابعاً وخامساً سوى ما ذكرتموه، فحصر الطرق في هذه الثلث غير معلوم بالبرهان.
دليل ثان وعليه تعويلهم أن قالوا: كل جوهر ليس في محل فيستحيل عليه العدم، بل البسائط لا تنعدم قط. وهذا الدليل يثبت فيه أولاً أن موت البدن لا يوجب انعدامه لما سبق.
فبعد ذلك يقال: يستحيل أن ينعدم بسبب آخر بسبب آخر لأن كل ما ينعدم بسبب ما أي سبب كان ففيه قوة الفساد، أي إمكان العدم سابق على الانعدام، كما أن ما يطرى وجوده من الحوادث فيكون إمكان الوجود سابقاً على الوجود ويسمى إمكان الوجود قوة الوجود وإمكان العدم قوة الفساد. وكما أن إمكان الوجود وصف إضافي لا يقوم إلا بشيء حتى يكون إمكاناً بالإضافة إليه فكذلك إمكان العدم، ولذلك قيل إن كل حادث فيفتقر إلى مادة سابقة يكون فيها إمكان وجود الحادث وقوته، كما سبق في مسألة قدم العالم، فالمادة التي فيها قوة الوجود قابلة للوجود الطاري والقابل غير المقبول فيكون القابل موجوداً مع المقبول عند طريانه وهو غيره. فكذلك قابل العدم ينبغي أن يكون موجوداً عند طريان العدم حتى يعدم منه شيء كما وجد فيه شيء ويكون ما عدم غير ما بقي ويكون ما بقي هو الذي فيه قوة العدم وقبوله وإمكانه