وزعموا أن النبي مطلع على الغيب بهذا الطريق أيضاً. إلا أن القوة النفسية النبوية قد تقوى قوة لا تستغرقها الحواس الظاهرة، فلا جرم يرى هو في اليقظة ما يراه غيره في المنام. ثم القوة الخيالية تمثل له ما رآه، وربما يبقى الشيء بعينه في ذكره وربما يبقى مثاله، فيفتقر مثل هذا الوحي إلى التأويل كما يفتقر مثل ذلك المنام إلى التعبير. ولولا أن جميع الكائنات ثابتة في اللوح المحفوظ لما عرف الأنبياء الغيب في يقظة ولا منام، لكن جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ومعناه هذا الذي ذكرناه. فهذا ما أردنا أن نورده لتفهيم مذهبهم.
والجواب أن نقول: بم تنكرون على من يقول إن النبي يعرف الغيب بتعريف الله على سبيل الابتداء؟ وكذى من يرى في المنام فإنما يعرفه بتعريف أو بتعريف ملك من الملائكة فلا يحتاج إلى شيء مما ذكرتموه، فلا دليل في هذا ولا دليل لكم في ورود الشرع باللوح والقلم فإن أهل الشرع لم يفهموا من اللوح والقلم هذا المعنى قطعاً، فلا متمسك في الشرعيات يبقي التمسك بمسالك العقول. وما ذكرتموه وإن اعترف بإمكانه مهما لم يشترط نفي النهاية عن هذه المعلومات فلا يعرف وجوده ولا يتحقق كونه، وإنما السبيل فيه أن يتعرف من الشرع لا من العقل.
وأما ما ذكرتموه من الدليل العقلي أولاً فمبني على مقدمات كثيرة لسنا نطول بإبطالها ولكننا ننازع في ثلث مقدمات منها:
المقدمة الأولى قولكم إن حركة السماء إرادية. وقد فرغنا من هذه المسألة وإبطال دعواكم فيها.