ونحن إنما لا نعلم ما يقع في المستقبل لأنا لا نعلم جميع أسبابها ولو علمنا جميع الأسباب لعلمنا المسببات، فإنا مهما علمنا أن النار سيلتقي بالقطن مثلاً في وقت معين فنعلم احتراق القطن ومهما علمنا أن شخصاً سيأكل فنعلم أنه سيشبع، وإذا علمنا أن شخصاً سيتخطى الموضع الفلاني الذي فيه كنز مغطى بشيء خفيف إذا مشى عليه الماشي تعثر رجله بالكنز وعرفه فنعلم أنه سيستغني بوجود الكنز. ولكن هذه الأسباب لا نعلمها وربما نعلم بعضها فيقع لنا حدس بوقوع المسبب فإن عرفنا أغلبها وأكثرها حصل لنا ظن ظاهر بالوقوع. فلو حصل لنا العلم بجميع الأسباب لحصل بجميع المسببات، إلا أن السماويات كثيرة ثم لها اختلاط بالحوادث الأرضية وليس في القوة البشرية الاطلاع عليه، ونفوس السموات مطلعة عليها لاطلاعها على السبب الأول ولوازمها ولوازم لوازمها إلى آخر السلسلة.
وذلك باتصاله باللوح المحفوظ، أي بنفس الفلك ولهذا زعموا: يرى النائم في نومه ما يكون في المستقبل وذلك باتصاله باللوح المحفوظ ومطالعته، ومهما اطلع على الشيء ربما بقي ذلك بعينه في حفظه وربما تسارعت القوة المتخيلة إلى محاكاتها فإن من غريزتها محاكاتها الأشياء بأمثلة تناسبها بعض المناسبة أو الانتقال منها إلى أضدادها فينمحى المدرك الحقيقي عن الحفظ ويبقى مثال الخيال في الحفظ فيحتاج إلى تعبير ما يمثل الخيال الرجل بشجر والزوجة بخف والخادم ببعض أواني الدار وحافظ مال البر والصدقات بزيت البذر فإن البذر سبب للسراج الذي هو سبب الضياء، وعلم التعبير يتشعب عن هذا الأصل.
وزعموا أن الاتصال بتلك النفوس مبذول إذ ليس ثم حجاب ولكنا في يقظتنا مشغولون بما تورده الحواس والشهوات علينا، فاشتغالنا بهذه الأمور الحسية صرفنا عنه، وإذا سقط عنا في النوم بعض اشتغال الحواس ظهر به استعداد ما للاتصال.