وإذا علم هذا فنقول أي إزراء بالصحابة وأي وصمة عليهم أعظم من أن يقال إن مرتبة البخاري في العلم تفوق مراتب الصحابة فيه. سبحانك هذا بهتان عظيم.
وقد تقدم عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على من فضله على أبي بكر رضي الله عنه وضربه ضربا شديدا وقال: "خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر فمن قال سوى هذا فهو مفتر عليه ما على المفتري". وتقدم عن علي رضي الله عنه أنه قال: "لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري".
وإذا كان الذي يفضل عمر على أبي بكر أو يفضل عليا على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم يعد مفتريا ويجلد حد المفتري ثمانين سوطا فكيف بمن فضل البخاري على أبي بكر وعمر عثمان وعلي وسائر الصحابة في العلم الذي هو رأس الفضائل وأكملها وأشرفها فهذا أولى أن يوصف بالافتراء وإن يعامل معاملة المفتري.
ويقال أيضا: إن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين حفظوا القرآن والسنة وبلغوهما إلى الناس فكل الناس بعدهم أتباعهم لهم وعيال عليهم في علم الكتاب والسنة. وقد كان للصحابة رضي الله عنهم من البصيرة النافذة في علم الكتاب والسنة ما ليس لمن بعدهم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ((مدارج السالكين)) في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} قال: "يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهي البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر وهذه الخصيصة التي اختص بها الصحابة على سائر الأمة وهي أعلى درجات العلماء". انتهى.
وإذا علم هذا فمن زعم أن مراتب غير الصحابة في العلم تفوق مراتب الصحابة فقد تنقصهم وغض من قدرهم وقابلهم بغير ما يستحقونه من الإجلال والاحترام ولا شك أن هذا من الأذية لهم وأذيتهم ليست بالأمر الهين. وقد تقدم حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله.. الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" رواه الترمذي. وتقدم أيضا قول محمد بن سيرين: "ما أظن رجلا ينتقص أبا بكر وعمر يحب النبي