وصدق أبو العباس المبرد إذ قال فى " الكامل "، وهو القائل المحق: ليس لقدم العهد يُفَضَّل القائل، ولا لحِدْثَانه يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل ما يستحق. اهـ.

وما أحسن ما قاله الزمخشرى فى مقدمة ((المسْتَقْصى فى أمثال العرب)) : ((وكأنى بالعالم المنصف قد اطلع عليه فارتضاه، وأجال فيه نظرة ذى علقٍ، ولم يلتفت إلى حدوث عهده وقرب ميلاده، لأنه إنما يستجيد الشىء ويسترذله لجودته ورداءته فى ذاته، لا لقدمه وحدوثه، وبالجاهل المشط قد سمع به، فسارع إلى تمزيق فَرْوَته، وتوجيه المعاب إليه، ولمَاَّ يعرف نبعه من غَرَبه، ولا صَقره من خَرَبه، ولا عَجَمَ عُودَه، ولا نَفَض تَهَائِمَه ونُجُودَه، والذى غَرَّه منه أنه عمل محدثٌ لا عملٌ قديمٌ، وحسب أن الأشياء تُنْقَد أو تُبَهْرج لأنها تليدةٌ أو طارفةٌ.

ولله دَرُّ من يقول:

إذا رَضِيَتْ عنى كِرَامُ عشيرتى فلا زال غضباناً علىَّ لِئَامها

قلت: وتعقيبى يكون على ضربين:

أ - إما أن أكون مصيبًا فى قولى، فما المانع أن يقبل الصواب منى؟

ب- وإما أن أكون مخطئا، فعلى المعترض أن يبين ذلك بالدليل، فليس قويما، ولا فى ميزان العدل كريما أن يقبل القول من إنسانٍ لمجرد أنه قديم، وأن يرد على المصيب قوله لكونه حديثا!

وقد أجاد ابن شرف القيروانى (ت 460 هـ) إذ قال:

قل لمن لا يرى المعاصر شيئًا ويرى للأوائل التقديما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015