تَابُوتًا مِنَ الْعِلْمِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ قُلْ لِهَذَا الْحَكِيمِ: لَوْ جَمَعْتَ مِثْلَهُ مَعَهُ، لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إِلَّا أَنْ تَعْمَلَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ.
أَوَّلُهَا: أَنْ لَا تُحِبَّ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا تُصَاحِبَ الشَّيْطَانَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرَفِيقِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا تُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحِرْفَةِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَيْسَ يَحْسُنُ عَلَى النَّاسِ الْجَهْلُ، مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ فَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، وَمَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِمَا يَعْلَمُ، فَهُوَ الْجَاهِلُ قَالَ: وَقَدْ كَانَ يُقَالُ: يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْبًا مَا لَا يُغْفَرُ لِلْعَالِمِ وَاحِدَةٌ وَذُكِرَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَعَجَّبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ: عَالِمٍ فَاسِقٍ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا لَا يَعْمَلُ بِهِ، وَقَبْرُ الْفَاجِرِ يُبْنَى بِالْجَصِّ وَالْآجُرِّ، وَالنَّقْشِ عَلَى جِنَازَةِ الْفَاجِرِ وَيُقَالُ: أَشَدُّ الْحَسْرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ مَمْلُوكٌ صَالِحٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَمَوْلَاهُ يَدْخُلُ النَّارَ، وَرَجُلٌ جَمَعَ الْمَالَ، وَمَنَعَ مِنْهُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَمُوتُ فَيُنْفِقُ مِنْهُ وَرَثَتُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْجُونَ بِهِ، وَالَّذِي جَمَعَهُ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ عَالِمُ سُوءٍ يُحَدِّثُ النَّاسَ يَنْجُو النَّاسُ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ يَصِيرُ إِلَى النَّارِ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنَّ فُقَهَاءَنَا يَقُولُونَ كَذَا.
فَقَالَ الْحَسَنُ: وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيهًا قَطُّ.
إِنَّمَا الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ، الْبَصِيرُ بِذَنْبِهِ، الدَّوَّامُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.
وَيُقَالُ: إِذَا اشْتَغَلَ الْعُلَمَاءُ بِجَمْعِ الْحَلَالِ صَارَ الْعَوَامُّ أَكَلَةَ الشُّبْهَةِ، وَإِذَا صَارَ الْعُلَمَاءُ أَكَلَةَ الشُّبْهَةِ، صَارَ الْعَوَامُّ أَكَلَةَ الْحَرَامِ، وَإِذَا صَارَ الْعُلَمَاءُ أَكَلَةَ الْحَرَامِ صَارَ الْعَوَامُّ كُفَّارًا.
قَالَ الْفَقِيهُ: لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا جَمَعُوا الْحَلَالَ فَالْعَوَامُّ يَقْتَدُونَ بِهِمْ فِي الْجَمْعِ، وَلَا يُحْسِنُونَ الْعِلْمَ فَيَقَعُونَ فِي الشُّبْهَةِ، وَأَمَّا إِذَا أَخَذَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشُّبْهَةِ وَتَحَرَّزُوا عَنِ الْحَرَامِ فَيَقْتَدِي بِهِمُ الْجُهَّالُ، وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشُّبْهَةِ وَالْحَرَامِ، فَيَقَعُونَ فِي الْحَرَامِ،