ولهذا لو سمعنا أن السلطانَ أعطى رجلاً عالمًا غلب على ظنِّنا أنه إنما أعطاه لعلمه وإن لم نَعْرِف عَيْنَه وكذلك لو علمنا أنَّ رجلاً شرب دواءً فأعقبه إسهالاً غلبَ على ظنِّنا أن ذلك الدواء كان سبب الإسهال وإن لم نَعْلَم عينَ الرجل
وحجَّةُ الأوَّلين أن شرط القياس ثبوت العلة في الأصل وثبوت كونها علة ولهذا يتوجَّه المنع على وجودها في الأصل وعلى عِلِّيتها فإذا لم يكن الأصلُ معلومًا امتنعَ العلمُ بحصول العِلَّة فيه لأن العلمَ بالصِّفَة فرعُ العلمِ بالموصوف وإذا لم يعلم بحصول العلة فيه لم يصح القياس لانتفاء شرطه وامتنع أيضًا العلم بعلِّية الوصف المدَّعَى كونه علةً لأن عِلِّيته لا تثبتُ إلا في محلٍّ فإذا لم يُعْلَم محلُّها لم يُعْلَم ثبوتها وذلك لأن عِلِّيَّته لو ثبتت بدون أصلٍ تقوم به لكانت مناسبةً مطلقةً ومصلحةً مرسلةً وذلك ليس من القياس الذي يُقاس فيه فرع على أصل فإنه حينئذٍ ليس هناك مقيس عليه لا معلومًا ولا مجهولاً
وهذا القولُ هو الصواب وعليه أهلُ الفقه والأصول لكن لا يجبُ العلم بصفاتِ الأصل التي لا تأثير لها في الحكم وهذا هو فَصْل الخطاب في المساْلة فإن الأصل على ثلاثة أقسام
أحدها أن لا يُعْلَم شيءٌ من صفاته فهنا يستحيل القياس عليه